مخلفات هتلر.. ومخلفات مبارك

نجح كل حاكم مستبد وحاكم فاسد على مدار التاريخ فى صناعة حاشية حوله من المنتفعين والمنافقين يحكم بهم، يزينون طغيانه، ويروجون بضاعته الفاسدة إلى الناس، وهؤلاء عادة ما يكونون فى كافة المجالات. لكن الإعلاميين والسياسيين والفنانين يكونون القوة الضاربة لهؤلاء الحكام، وقد نجح هتلر أن يكوّن فريقا إعلاميا قويا بقيادة جوبلز، لعب دورا أساسيا فى صناعة أسطورته وترويج أكاذيبه وتقديمها للناس بشكل فتن الناس، وربما فتن الديكتاتور نفسه فجعله يصل فى أطماعه التوسعية إلى حدود النهاية لإمبراطوريته التى كان يحلم أن يحكم بها العالم، وفى النهاية انتحر هتلر، وانتهت أحلامه برصاصة فى الرأس بعدما هزم أمام الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، وظهرت حقائق ومعلومات كثيرة لا يزال المؤرخون يكتبون فيها إلى الآن. لكن أهم ما لفت نظرى فى قصة هتلر هو أن كل الفريق الفاسد الذى كان يحيط به إما عن قناعة بأفكاره وإما انتفاعا ومصلحة ونفاقا، حددوا مصيرهم مع مصيره فكثير منهم فعل مثلما فعل هتلر فاختاروا الانتحار طريقا، أما الآخرون فإنهم تواروا عن الأنظار واختفوا تماما أو هاجروا وغيروا أسماءهم وألقابهم واختفوا فى دول كثيرة ولم يظهر لهم أثر. لكن ما يحدث فى مصر أغرب من الخيال، فالكالحون من مخلفات المخلوع مبارك من إعلاميين وسياسيين وبعض الفنانين سرعان ما غيروا جلودهم وأطلوا بوقاحة على الشعب من خلال البرامج التى يقدمونها أو الأعمدة التى يكتبونها وكأن شيئا لم يحدث، ولا أعرف أى ثورة تلك التى قامت فى مصر بينما معظم من كانوا يهاجمونها من رجال مبارك سواء من السياسيين أو الإعلاميين ما يزالون يتبوأون الأماكن التى يطلون منها على الشعب ليواصلوا التدليس والغش والخداع الذى بقوا يمارسونه طوال العقود الماضية، فالنفاق الذى كان يوجه لمبارك أصبح الآن يوجه للرئيس الجديد محمد مرسى. والغريب أن هذه المخلفات تتعامل مع الواقع كأن شيئا لم يحدث على الإطلاق سوى أن رئيسا ذهب وآخر آتى، وكأنه ليست هناك ثورة يجب أن تطيح بكل رؤوس الفساد والنفاق من كافة المواقع السياسية والإعلامية، لأن الحاكم لم يكن يحكم وحده وإنما كان يحكم بهؤلاء الذين كانوا يزينون الباطل ويروجون الخداع والغش ومشروع التوريث وحكمة الجاهل الذى حكم مصر ثلاثين عاما. أطل أحدهم قبل أيام على شاشة إحدى الفضائيات وأنكر كل ما هو مسجل له ويتداوله الناس على الإنترنت بوقاحة ليس لها حدود، وأطل آخر من صحيفة عربية وهو يكتب مذكرات الخيبة ويوجه ويعظ بمواعظ شيطانية وهو أجهل من تبوأ منصبا سياسيا فى مصر خلال الستين عاما الماضية حتى إنه فى أيام الثورة كان يحرض على الثوار ويحرض الجيش عليهم ويتهمهم بالعمالة للخارج، وكان يولول مثل النساء على شاشة الفضائيات، بصوته الأقرب إلى صوت النساء منه إلى صوت الرجال. وقد تجرأت بعض مخلفات مبارك وأعلنت أنها ستشكل حزبا سياسيا، وبعض الذين أثروا من المال الحرام بالمليارات أنفقوا بعضا منها جهارا نهارا على المظاهرات والمسيرات التى خرجت لتقطع الطرق. إن الوضع الطبيعى لأمثال هؤلاء كما يحدث فى كل الثورات هو إما أن ينتحروا كما فعلت المخلفات التى تركها هتلر وإما أن يلزموا بيوتهم أو يحاكموا على جرائمهم التى تملأ ملفاتها أدراج النائب العام دون أن يحركها. هذه الوقاحة المتناهية لهذه المخلفات تؤكد أن دولة مبارك الفاسدة لم تسقط بعد، وأن كثيرا من هذه المخلفات لا تزال تملأ أركان الدولة وتمد هؤلاء الذين يظهرون على السطح من إعلاميين وسياسيين وتجار بالسند وتدعم وجودهم فى هذه المؤسسات وتؤمن تحركاتهم بالمال والرجال والدعم الخارجى والداخلى. إن استمرار ظاهرة مخلفات مبارك تعنى أن الثورة المصرية لا تزال أمامها أشواط كثيرة، وأهمها تنظيف مصر من هذه المخلفات وأن نرى مكانها جيل الثورة بكل أطيافه يملأ كافة أركان وساحات الدولة، جيلا لا ينافق ولا يداهن ولا يسرق ولا ينهب وإنما يبنى بلاده على الحق والعدل وقول كلمة الحق للحاكم، إن أحسن قالوا له أحسنت وإن أساء قالوا له أسأت. فمتى يتم تنظيف بلادنا من هذه المخلفات؟

Total
0
Shares
السابق

«الزبالة» التى تقذف كل يوم فى بيوتنا

التالي

الخطوة الأولى لتنظيف مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share