«الزبالة» التى تقذف كل يوم فى بيوتنا

رغم أننى لا أتابع مسلسلات شهر رمضان أو غيره لاعتبارات كثيرة، من بينها أن وقتى كله بين القراءة والكتابة والأسفار والترحال، فإنى أجبرت رغم أنفى على مشاهدة بعض ما بث خلال شهر أثناء ساعات جلوسى فى صالات السفر فى المطارات حيث تنقلت بين عدة دول خلال رمضان وكنت أجد صالات الانتظار فى المطارات مفتوحة فى الأغلب على المسلسلات التى كان المسافرون يتابعونها، وهذا كان يعنى أنه لاخيار لى سوى أن أتابع مع المتابعين مرغما حتى إن كنت مستمعا أو أبحث عن مكان آخر خارج الصالة، ولأن حظى العاثر أدى إلى تأخر طائرتى عدة ساعات عن موعد إقلاعها فى مطار طرابلس فقد فرض على أن أجلس متابعا لأكثر من خمس حلقات من خمسة مسلسلات مختلفة عرضت تباعا على إحدى قنوات المسلسلات، وقد هالنى ما رأيت فى مجملها من إسفاف وانحطاط أخلاقى وشذوذ نفسى سواء من كتاب السيناريو أو من الممثلين أو من المخرجين أو من موضوعات المسلسلات نفسها، مخدرات وخمور وعرى وشذوذ وألفاظ جارحة ولغة شوارع رديئة، وسيناريو هابط وعبارات سوقية خادشة للحياء وجارحة للشعور وشتائم قذرة لا تسمع إلا فى أحط المستويات وأدنى المجتمعات، لم أكن أتصور أن صناعة المسلسلات وصلت إلى هذا المستوى الردىء، وقلت فى نفسى: يا إلهى، هل هذه الزبالة تقذف فى بيوت الصائمين فى نهار رمضان وليله ثم يبقى للصيام أثر أو للعبادة معنى؟ كما أنها لا تمت للإبداع أو الفن بصلة بأى حال من الأحوال، لأن الإبداع يعنى الذوق الراقى والمستوى الرفيع، والمعانى الجميلة والأخلاق الحميدة، وبالتالى فإن ما تقوم به هذه الأعمال التى تسمى مجازا مسلسلات هو تدمير مقصود لأخلاقيات الأمة وثقافتها والفضائل والمعانى الجميلة التى بقيت فيها وهذا باختصار أحد أهم أسباب انتشار الرذيلة والتحرش والمخدرات فى مصر والدول العربية وتصاعدها بشكل مريع، إن الإبداع يقوم على الفضيلة، وعلى أهداف واضحة ورسالة سامية يقدمها المبدع إلى الناس، وما يقدمه صناع هذه المسلسلات يحمل رسالة واضحة هى تدمير الأخلاق والفضيلة والقيم ونشر الرذيلة وتعميم لغة الشوارع والشواذ فى حياة الناس، ، ما معنى أن هذا الكم الهائل من هذه القاذورات يتم تداوله بهذه الطريقة ويدخل كل البيوت بعد ثورة عظيمة قامت بها شعوب مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا حتى تتخلص من أنظمة فاسدة مستبدة، وتعيد للأمة هويتها وثقافتها وتاريخها وحضارتها وعراقتها؟ إن كل أو معظم القائمين على هذه الأعمال الفنية هم من فلول النظام الفاسد السابق فى مصر وكلهم أو معظمهم جاهروا بذلك وكانوا يتباكون على المخلوع جهارا نهارا، وظهر بعضهم على وسائل الإعلام متحديا متعهدا أنه سيدخل العرى والفساد والأوساخ إلى كل بيت مما يجعل بيوتنا كلها متسخة بأوساخهم وثقافتهم المنحطة وبضاعتهم الفاسدة وقد فعلوا، 7 مليارات جنيه مصرى أو أكثر أنفقت على المسلسلات المصرية حتى تلقى هذه الزبالة فى بيوتنا، لقد شاهدت حلقات من 5 أو 6 مسلسلات فقط وعجبت لكم الانحطاط والإسفاف الأخلاقى بها، ولا أعرف ما محتويات باقى المسلسلات التى أنتجت والتى تزيد على 60 مسلسلا بشكل ملىء بالتحدى للثورة ولخيار الشعب المصرى وقيمه وأخلاقه وتراثه وتقاليده، المشكلة هى حالة اللامبالاة وعدم المسئولية التى تظهر لدى الشعوب والمجتمعات العربية، فالكل يجلس ويشاهد وسط أبنائه وبناته وكأن كل شىء عادى ثم يغضب وينتفض إذا تعرضت زوجته أو ابنته للتحرش متناسيا أن هذه الزبالة التى كان يشاهدها هى السبب، إن مسئولية الحكومات الجديدة هنا مسئولية كبيرة، كما أننى أنادى أصحاب الأقلام النظيفة لأن يشنوا حملة على هذا الانحطاط حتى لا يدخل بيوتنا إلا ما يصلح الناس كما يجب أن يكون مسئولو الرقابة على المصنفات على المستوى المهنى والأخلاقى الذى يمنع مرور هذه الزبالة، كما أن دور منظمات المجتمع المدنى رئيسى هنا فى الحفاظ على الذوق والأخلاق وقيم المجتمع وثقافته وحضارته وتاريخه، وإن عجز الجميع عن تحقيق ذلك، فليس هناك إلا القانون الذى يحمى بيوتنا من هذه الزبالة وهؤلاء الزبالين.

Total
0
Shares
السابق

قصة البيان الأول لثورة 25 يناير «الأخيرة»

التالي

مخلفات هتلر.. ومخلفات مبارك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share