الحكم على الـ«سى آى إيه» (2)

كنت فى إيطاليا حينما كشفت تفاصيل كثيرة لهذه القضية المثيرة وتابعتها من قرب، حيث أعلن المدعى العام الإيطالى فى قضايا الإرهاب أرماندو سباتاروفى الأول من يونيو من العام 2006 المضى قدماً فى إجراءات محاكمة عملاء السى آى إيه بعدما أصدر أوامر باعتقالهم واتهم وزارتى العدل الأمريكية والمصرية بعدم التعاون الكافى فى التحقيقات، وفى 21 يوليو من العام 2006 طلب الادعاء الإيطالى من وزير العدل مطالبة الولايات المتحدة بتسليم العملاء الستة والعشرين بعدما أضاف إلى المتهمين أربعة آخرين أحدهم يعمل فى قاعدة أفيانو، وبالفعل قام وزير العدل الإيطالى روبرتو كاستيللى بالتوقيع على أوامر الاعتقال، ورغم أن المسئولين قالوا إنها خطوة ضمن الشكليات المعمول بها إلا أنها تجعل رجال الـ«سى آى إيه» المتهمين تحت طائلة الاعتقال فى أى من دول الاتحاد الأوروبى جميعها، وكانت حكومة رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكونى، قد رفضت طلباً سابقاً من الادعاء الإيطالى للمطالبة بتسليم العملاء، لكن حكومة رومانو برودى التى جاءت بعد بيرلسكونى، ثم أجبرت بعد ذلك على الاستقالة وعاد بيرلسكونى من جديد كان موقفها مناقضاً لموقف حكومة برلسكونى التى كانت موالية تماماً للولايات المتحدة، وفى العشرين من نوفمبر من العام 2006 أصبح الموقف دراماتيكياً حينما اتخذت الحكومة الإيطالية برئاسة رومانو برودى قراراً بإقالة نيكولو بلارى قائد الاستخبارات العسكرية، الذى كان يعد من أقوى رجال الدولة فى عهد برلسكونى، وكذلك الجنرال ماريو مورى قائد الاستخبارات الداخلية، كما أقيل ديل ميسيزى قائد الجهاز المشرف على التنسيق بين جهازى الاستخبارات العسكرية والداخلية، وبحث وقتها توجيه اتهامات لقائد الاستخبارات العسكرية بالتواطؤ مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» فى اختطاف الإمام المصرى، واعتبرت تلك القرارات فى ذلك الوقت محاولة من الحكومة لحفظ ماء وجهها وضربة قاصمة للمتعاونين الإيطاليين مع الـ«سى آى إيه» ولجهاز الـ«سى آى إيه» نفسه، وقد دفعت هذه الإقالات القضاء الإيطالى لتوجيه الاتهامات رسمياً لرئيس الاستخبارات العسكرية واعتقاله هو وخمسة آخرين، حيث فتحت لهم ملفات أخرى من المفترض أن تودى بهم فى غياهب السجون لفترات طويلة. أما رجال السى آى إيه المتهمون فإن من بينهم رئيس محطة السى آى إيه فى ميلانو جيف كاستيلى، والرئيس السابق للمحطة روبرت سيلدون ليدى، وهؤلاء مسئولون رفيعو المستوى فى الـ«سى آى إيه» وكان أحدهم وهو ليدى قد اشترى فيلا فاخرة فى ميلانو حتى يقضى فيها باقى عمره بعد التقاعد، لكن الأمر تحول لاحتمال أن يقضيه إن قبض عليه فى إحدى زنازين ميلانو، ورغم الرفض الأمريكى لتسليم أى من المتهمين إلا مذكرة الاعتقال الأوروبية بقيت تشكل رعباً للأمريكيين غير مسبوق وإخفاقاً وفضيحة كبيرة لأكبر جهاز تجسس فى العالم فى أكبر دولة ومن من؟ من دولة كانت هى أكبر حلفائه فى أوروبا، وقد باشرت المحكمة نظر القضية فى التاسع من يونيو من العام 2007 وهى الأولى من نوعها، حيث دعمت الحكومة الإيطالية مطالب الدفاع للمحكمة الإيطالية العليا بأن توقف المحاكمة، معتبرة أن وثائق الادعاء سوف تخرق قوانين السرية وتلحق أضراراً بعلاقة إيطاليا مع السى آى إيه وقد فضح المدعى العام سباتارو كل هذه الأمور فى كتابه الذى صدر مؤخراً، وقد وصل الرئيس الأمريكى آنذاك جورج بوش إلى إيطاليا بعد ساعات من بدء المحاكمة التى تعتبر إدانة له ولإخفاقاته حيث تضاف هذه المحاكمة حتى وإن لم تكتمل إلى قائمة الإخفاقات التى يتمتع بها الرئيس الأمريكى الذى انتهت ولايته فى ديسمبر 2008 جورج دبليو بوش، الذى كتب عنه ألنوهارث مؤسس صحيفة «يو إس إيه توداى» أكبر الصحف الأمريكية انتشاراً فى افتتاحية الصحيفة يوم الجمعة 16 فبراير 2007 قائلاً بأنه «أسوأ رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة»، كما أن الخزى والعار الذى يلف قائد الاستخبارات العسكرية الإيطالى هو إدانة لكل رجال الاستخبارات الذين يظنون دائماً أنهم فوق البشر وأن ما يقومون به لا يمكن أن يجرؤ أحد على مواجهتم به.. نكمل غداً.

Total
0
Shares
السابق

الحكم على السى آى إيه 1

التالي

الحكم على الـ«سى آى إيه» (3)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share