الحكم على الـ«سى آى إيه» (3)

فجأة تغيرت الحكومة وجاء يوم الحساب لرجل كان يعتقد أنه فوق القانون بل كان يعتقد مثل غيره من رجال الأمن والاستخبارات الذين يستخفون بآدمية الناس أنهم القانون، وقرر المدعى العام الإيطالى سباتارو أن يتحدى الحكومة وما يسمى أسرار الدولة، وقد ذكر تفاصيل القصة كاملة فى كتابه، وأكد مع القضاة الذى تولوا القضية فى كافة درجاتها حتى حكم النقض الأخير أن ما يحدث فى إيطاليا هو وسام على صدر القضاء الإيطالى، ورغم أن إيطاليا هى من أكثر دول أوروبا وربما دول العالم فساداً، فإن بها كثيراً من القضاة الشرفاء الذين دفعوا حياتهم من قبل فى مواجهة الفساد والعصابات المنظمة، وعلى رأسها عصابات المافيا، والآن يواجهون الولايات المتحدة ويحاكمون جهاز استخباراتها ويفضحون كثيراً من جرائم الـ«سى آى إيه» وتجاوزاتها وتواطؤ أجهزة الأمن والاستخبارات الإيطالية معها، ورغم تعهد الحكومة الأمريكية بعدم تسليم أى منهم فإن هذه الأحكام ستظل سيفاً مسلطاً عليهم بحيث لا يجرؤ أحد منهم على العودة إلى أوروبا أو الدخول إلى أى من بلادها. ولم يكن الألمان بعيدين عما يحد ث فى إيطاليا، ففى نهاية يناير من عام 2007 قالت سلطات الادعاء الألمانية إنها أصدرت أذون اعتقال بحق ثلاثة عشر من عملاء الاستخبارات الأمريكية الـ«سى آى إيه» لما له علاقة باختطاف مواطن ألمانى من أصل لبنانى هو خالد المصرى، حيث اعتقل على يد رجال تابعين للمخابرات المركزية الأمريكية الـ«سى آى إيه» فى مقدونيا عام 2003 وتم نقله إلى سجن سرى فى أفغانستان حيث مورست عليه كافة صنوف العذاب، وكان «المصرى» قد أقام دعوى قضائية أمام محكمة أمريكية فى 6 ديسمبر من عام 2005 حيث أقام الدعوى نيابة عنه اتحاد الحريات المدنية الأمريكى، ونظرت القضية أمام محكمة اتحادية بمدينة الإسكندرية فى ولاية فيرجينيا الأمريكية، وطالب «المصرىس بتعويض واعتذار من السلطات الأمريكية عما ألمَّ به، واعتبرت القضية فى حينها تحدياً للإدارة الأمريكية فى وقت كانت توجه فيه الاتهامات لها بأنها كانت ترحل المشتبه بهم إلى سجون دول حليفة وصديقة من أجل التحقيق معهم وتعذيبهم تحت الاستجواب، وبعد مداولات استمرت حتى أكتوبر من عام 2007 أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها فى 9 أكتوبر 2007 برفض نظر القضية لدوافع تتعلق بـ «الأمن القومى الأمريكى» وهذه هى الشماعة التى يتم عليها تعليق كافة جرائم الولايات المتحدة فى كافة أنحاء العالم، لكن «المصرى» كان يمارس عبر محاميه ضغوطاً على الحكومة الألمانية أيضاً حتى تطالب بتسليم المشتبه بهم باعتقاله لمحاكمتهم فى ألمانيا، لكن مجلة «ديرشبيجل» الألمانية قالت إن الولايات المتحدة رفضت تسليم المتهمين، بناء على مذكرة كانت أصدرتها محكمة ألمانية فى ميونيخ فى شهر يناير من عام 2007، وقررت ألمانيا كما ذكرت «ديرشبيجل» عدم المضى قدماً فى المطالبة بتسليم الأمريكيين، لكن هذا لم يمنع استمرار محاكمتهم فى ألمانيا، حيث حصل المدعون الألمان على عشرين اسماً من العملاء السريين الأمريكيين الذين تورطوا فى عملية اختطاف «المصرى» من حلفائهم الإسبان فى الوقت الذى يصر فيه «المصرى» على ضرورة حصوله على اعتذار من قِبل السلطات الأمريكية ومحاكمة المتهمين باعتقاله، وقام «المصرى» فى 8 يونيو 2008 بإقامة دعوى قضائية ضد الحكومة الألمانية وأجبر المصرى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الاعتراف بالخطأ فى حقه، حيث تحدثت عن قضيته أمام وسائل الإعلام، ثم استخدمت سلطاتها فى إغلاق الملف بعد ذلك، لكن الإيطاليين أبقوا الملف مفتوحاً حتى نهايته، إن هذه القضية تؤكد أن كل من تعرض لشىء من هذه الجرائم عليه أن يتابع المجرم حتى النهاية، كما أن ملفات التعذيب لا تسقط بالتقادم، وهناك مجرمون متورطون فى هذه القضايا مصريون يجب أن تحرك ضدهم وأن يحاكموا حتى يكونوا عبرة لغيرهم وإننا ننتظر من المدعى العام المصرى أن يفعل شيئاً مما فعله المدعى العام الإيطالى وأن يقدم المجرمين المصريين الذين شاركوا فى تعذيب أبوعمر المصرى طوال أربع سنوات للقضاء إذا كان كما يدعى لديه الاستعداد للاستشهاد من أجل استقلال القضاء.

Total
0
Shares
السابق

الحكم على الـ«سى آى إيه» (2)

التالي

من جرائم السى آى إيه 1

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share