الطريق إلى الجمرات (5)

القول بأن أعداد الحجاج الكبيرة هى سبب الفوضى وعدم النظافة أمر غير صحيح، لأن أعداد الحجاج سوف تزداد فى الأعوام القادمة بسبب زيادة أعداد المسلمين وعودة الناس إلى ربهم، وإذا كان العدد كبيراً فإن النظام والتحضير كافيان ليستوعب من هم أكبر من ذلك، ويكفى أن نعلم أن مدناً مثل القاهرة ومومباى وكراتشى وباريس ونيويورك وعشرات المدن الأخرى فى العالم يدخلها ويخرج منها كل يوم ما بين ثلاثة إلى عشرة ملايين إنسان، فطالما وضع نظام دقيق سهل على الناس أمرهم وإلا ما معنى أن يقضى الناس أربع ساعات فى الباص أو مثلها ينتظرون القطار أو مثلها سيراً على الأقدام فى مسافة لا تزيد على خمسة كيلومترات أو يبقى بعضهم إلى ما بعد منتصف الليل فى عرفات وبعضهم إلى ما بعد الفجر لا يجدون طريقاً للخروج، ، وكما تم تنظيم رمى الجمرات تنظم باقى مراحل الحج وأهمها النظافة، ولو وجد الحجاج أكياس الزبالة فى كل مكان ما ألقوا مخلفاتهم على الأرض بطريقة مريعة تخالف تعاليم الإسلام الذى هو دين النظافة، لقد خرجت فى عرفات قاصداً جبل الرحمة فما كانت تقع قدماى إلا فى أوساخ الناس وكأننى أسير فى مزبلة وليس مشعراً مقدساً، وهل يعقل أن تبقى آلاف الباصات تبث سمومها طوال الوقت وهى متوقفة فى مكانها بالساعات الطويلة فى عرفات ومزدلفة ولا يجبَر سائقوها على إطفائها حتى لا يلوثوا البيئة المحدودة بالناس بمخلفات الديزل؟. إن ضبط سلوكيات الناس رغم مجيئهم من مشارب شتى أمر ممكن وليس مستحيلاً إذا توفرت الرغبة والإرادة كما أن الحج يمكن أن يكون درساً فى السلوك ويترك علامات وذكريات طيبة وتعاليم سامية لا تزول من نفس الحاج يظل يحدث بها أبناءه وأحفاده سنوات طوالاً، لقد كان أخشى ما أخشاه هو ردود الفعل على المسلمين الجدد لا سيما من الأوروبيين وحديثى العهد بالإسلام حينما يرون الفوضى وعدم النظام والنظافة التى تملأ الساحات وكل المشاعر، وكنت أقول يا إلهى ثبت إيمانهم وإسلامهم ولا تفتنهم بصنيع المسلمين، لو توفرت الإرادة لتحول الحج إلى مدرسة وهو مدرسة أعدها الله للمسلمين تقوم على ذكر الله فى أيام معدودات والذكر ليس معناه التلبية والتسبيح والتهليل والتكبير فقط بل الالتزام بكل ما أمر الله ذكر له. عدت بعد رمى جمرة العقبة الكبرى، أو «شيطان كبير» إلى السكن فى «منى» فوجدت الذين ركبوا الباص من رفاقى وصلوا للتو، فقصرت وتحللت وحيث إننى أديت الحج هذه المرة مقرناً فقد أخرت طواف الإفاضة حتى أؤديه مع طواف الوداع، سألت أحد الحجاج ممن تعرفت عليهم فى الحملة وكان شاباً إن كان قد أدى الحج قبل ذلك، فقال لى: الحمد لله أديت الفريضة من قبل وقد أتيت للحج هذا العام عن جد والدى الذى توفى منتصف الأربعينات من القرن الماضى، وقد وقعنا على وصية له مؤخراً يقول فيها إنه لم يؤدِ الفريضة وأوصى قبل وفاته بأن يؤدى أحد أبنائه أو أحفاده فريضة الحج عنه، وحينما علمت بأمر الوصية نويت أن أؤدى الحج عنه، ونسأل الله أن يتقبل، وإذا كتب الله لى الحج العام القادم فسوف أحج عن جد جدى لأنه ربما لم يؤدِ الفريضة هو الآخر، وقفت عند القصة ودعوت الله أن يتقبل منه، وسألت آخر من مسئولى حملة الحج عن عدد مرات حجه، فقال إنه لم يحصِها لكنه هذه المرة يحج عن جده الخامس الذى توفى قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً، وقد علم أنه لم يؤدِ فريضة الحج، لكن أعجب ما سمعت من أحد شيوخ الحملة أنه صادف طالب علم كان يدرس حياة الفقيه والأديب والعلامة ابن حزم الأندلسى فعرف أنه لم يؤدِ فريضة الحج فجاء يحج عن ابن حزم الذى توفى قبل قرون وكان من علماء الأندلس، وآخر علم أن الأديب والمفكر الإسلامى سيد قطب صاحب كتاب «فى ظلال القرآن» الذى أعدمه جمال عبدالناصر عام 1965 لم يؤدِ فريضة الحج فجاء يحج عنه، أما العم أبوخميس فقد كانت له معى قصة أخرى. «نكمل غداً»

Total
0
Shares
السابق

الطريق إلى الجمرات (4)

التالي
يوسف ندا

يوسف ندا (1) : التنظيم الدولي للإخوان .. ومصير بنك التقوى

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share