حكايات جورج صبرا: (1)

حينما انتخب المجلس الوطنى السورى خلال اجتماعه فى الدوحة مساء الجمعة الماضى 9 نوفمبر جورج صبرا رئيساً له، تذكرت جلسة مطولة لى مع جورج صبرا فى شهر يونيو الماضى 2012 على مضيق البوسفور فى اسطنبول، حيث تجاوز الحديث ما يدور من أحداث فى أنحاء سوريا إلى مواضيع شتى، أظهرت شخصية جورج صبرا المرحة والذواقة للحياة والمنفتحة على الناس، ورغم زياراتى الكثيرة لإسطنبول، فإننى وجدته قد اختلط بكل شىء فيها وأصبح يتذوق تاريخ المدينة ومساجدها وكنائسها وقصورها ومبانيها بنفسية فنان وعين شاعر، وقال لى: «إننى أستطيع أن أسمى هذه المدينة بالمدينة الملونة، فالألوان الزاهية للبيوت فى اسطنبول لا سيما البيوت الحديثة المبنية على الهضاب والمرتفعات بألوانها الزاهية تعطى شخصية خاصة لتلك المدينة التاريخية العريقة»، ولد جورج صبرا فى مدينة قطنا فى ريف دمشق عام 1947، تخرج فى كلية الآداب جامعة دمشق عام 1971، وانضم للحزب الشيوعى السورى فى العام 1970، وأصبح من قياداته، تعرض للاعتقال والملاحقة الأمنية عدة مرات بين عامى 1980، و1984، حيث اختفى داخل البلاد لمدة ثلاث سنوات، انتخب عضواً للجنة المركزية فى الحزب الشيوعى السورى عام 1985، واعتقل فى عام 1987 وحكم عليه بالسجن من قبل محكمة أمن الدولة العليا فى دمشق لمدة ثمانى سنوات قضاها فى سجن صيدنايا العسكرى، أطلق سراحه عام 1995، مثّل الحزب الشيوعى فى عام 2000 فى التجمع الوطنى الديمقراطى، ثم فى إعلان دمشق للتغيير فى عام 2005، وقد انضم للثورة السورية فى بدايتها وأصبح له دور كبير فاعل، فاعتقلته السلطات السورية فى العاشر من أبريل، نيسان من عام 2011 أى بعد قيام الثورة بعدة أسابيع، ثم أفرج عنه بعد شهر، وأعيد اعتقاله مرة أخرى فى العشرين من يوليو، تموز، من عام 2011، حيث قضى فى الاعتقال شهرين، وبعد ضغوط دولية أفرج النظام عنه فى التاسع عشر من أيلول/سبتمبر من عام 2011، خطط للهروب ثم فر هارباً من سوريا فى العشرين من ديسمبر من عام 2011 إلى الأردن تحت جنح الظلام، حيث كان للمرة الأولى التى يغادر فيها سوريا منذ عام 1979، انضم للمجلس الوطنى السورى وأصبح ناطقاً باسمه، ثم اختير يوم الجمعة الماضى رئيساً له، حينما سألته عن قصة هروبه من سوريا، قال: عمليات التهريب فى ذلك الوقت كانت تتم عبر الرشاوى وبيع الطريق من قبل القوات التابعة للنظام، ومفهوم بيع الطريق أنهم يتركون الطريق للثوار لفترة معينة مقابل مبلغ معين يستخدمه الثوار فى كل شىء، بقيت أنتقل مع ابنى من مكان إلى مكان حتى أصبحنا على بعد خمسمائة متر من الحدود، وهنا تركنا لمصيرنا حيث كان القناصة يراقبون الحدود ويطلقون الرصاص على كل من يتحرك، أياً كان رجلاً أو امرأة أو حتى طفلاً؛ ولأن عائلات بأكملها لم تجد أمامها سوى عبور الحدود بهذه الطريقة، فقد استشهد الكثيرون أثناء محاولتهم الفرار من هذا النظام الدموى الحاكم فى سوريا، وقد قتل القناصة امرأة كانت تحاول عبور الحدود قبلنا بساعة، لكنه لم يكن أمامنا سوى خيارين لا ثالث لهما، إما أن نعبر وإما أن نموت شهداء، كان عبور الحدود ليلاً يتكون من عدة مراحل، المرحلة الأولى سلك شائك، بعده خندق عميق، ثم سلك شائك مرة أخرى وبعده ساتر ترابى مرتفع ومشكلة الساتر الترابى حينما تحاول عبوره وهو المرحلة الأخيرة أنك تصبح مكشوفاً وهدفاً سهلاً للقناصة التابعين للنظام الدموى الحاكم فى سوريا، وعرض هذه المسافة حوالى خمسمائة متر، كان ابنى أمامى يركض وأنا وراءه أمسك بملابسه، ركضنا فى المرحلة الأولى مائتى متر وتجاوزنا السلك الشائك ثم قفزنا فى الخندق، كاد قلبى يخرج من صدرى من شدة الخفقان والخوف، تحسسته وتحسست نفسى وقلت له: أما زلنا أحياء يابنى؟ قال بلى، ركضنا المرحلة الثانية بعدما تجاوزنا الخندق والسلك الشائك، وفى كل مرة كنت أتحسس نفسى وأتحسس ولدى وأسأله: أما زلنا أحياء؟ ثم جاءت أخطر مرحلة وهى عبور الساتر الترابى المرتفع الذى استشهد عليه المئات وهم يحاولون العبور إلى الحرية. نكمل غداً..

Total
0
Shares
السابق
جورج صبرا

حكايات جورج صبرا(1-4)

التالي

حكايات جورج صبرا 2

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share