زيارة أردوغان التى لم تحظَ بالاهتمام الإعلامى

جاءت زيارة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان إلى مصر مع وفد وزارى رفيع، قبل أيام فى خضم الحرب الإسرائيلية على غزة وحادثة القطار التى أودت بحياة عشرات الأطفال المصريين، لذلك لم تحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية رغم الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية للزيارة، وكنت قد التقيت وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو فى العاصمة التركية أنقرة الشهر الماضى وتحدث معى عن الأهمية الاستراتيجية للزيارة والتخطيط المسبق والدقيق لها، وأشرت فى مقالات سابقة فى حينها لما دار بينى وبين أوغلو حول ترتيبات هذه الزيارة. وصل أردوغان للقاهرة مساء السبت 17 نوفمبر وعقد مؤتمراً صحفياً مع الرئيس مرسى، ومن أهم ما تم تناوله فى الجانب الاقتصادى هو شكر الرئيس لتركيا على تقديم تسهيلات ائتمانية لمصر قيمتها مليار دولار، والاتفاق على العمل معاً من أجل جذب استثمارات لمصر قيمتها خمسة مليارات دولار خلال الأعوام القادمة، وقال أردوغان إن هناك مائة مستثمر تركى تبلغ استثماراتهم فى مصر حوالى مليار ونصف المليار دولار، وهى دون المستوى المطلوب ويأمل أن تصل إلى خمسة مليارات خلال أربع سنوات ثم إلى عشرة مليارات خلال عشر سنوات، لكن أهم ما تم تناوله فى اليوم التالى فى منتدى رجال الأعمال المصريين الأتراك هو أن المشروعات الاستثمارية تركزت حول المناطق المهملة مثل شرق بورسعيد والسويس وسيناء، وأعتقد أن أهم ما ينبغى للحكومة المصرية أن تركز عليه فى المرحلة القادمة هو تنمية المناطق المهمشة، فالناس توجد حيث توجد مصالحها ولقمة عيشها، وفى كل دول العالم المتقدمة تشتهر كل مدينة بمصنع أو صناعات معينة مما يؤدى إلى توزيع الكثافة السكانية وليس تركزها فى المدن الكبرى، ولنا أن نتخيل حجم القاهرة بعد عشر سنوات إذا ظل كل الناس يقصدونها بغية البحث عن الزرق، أما إذا تم توزيع الاستثمارات على كل مناطق مصر فإنه سوف يتم إحياء كل مدنها وقراها وإيقاف الهجرة للمدن الكبرى، وعلى رأسها القاهرة. على الصعيد السياسى، أكد أردوغان أن «الربيع العربى» لن يتحول إلى خريف أبداً، مؤكداً دعم تركيا للثورة المصرية والعمل على استكمال عناصر نجاحها، كما كان لوجوده فى مصر خلال حرب غزة دور فى تكوين موقف قوى ومشترك لمصر وتركيا تجاه ما تقوم به إسرائيل، كما تم بحث الوضع فى سوريا، ولعل أهم ما تم إنجازه هو التوقيع على سبع وعشرين اتفاقية استراتيجية بين البلدين فى مجالات الطيران المدنى والسياحة والزراعة والصناعة والتعاون الفنى والشئون المالية، والتجارة والاستثمار والصحة والتعليم والبنية التحتية والعمارة، ومن المفترض وفق هذه الاتفاقيات أن يتوسع الجانب التركى فى دعمه لمصر فى مجالات النقل البحرى وتطوير الموانئ والمطارات والخدمات اللوجيستية وتطوير الخدمات السياحية، وأن تصبح مصر بوابة تركيا للأسواق الأفريقية، وأن تصبح تركيا بوابة مصر إلى الأسواق الأوروبية، ولو تحقق هذا التكامل لتحولت العلاقات بين تركيا ومصر إلى شراكة استراتيجية متبادلة، ومن المعروف أن تركيا نجحت خلال السنوات العشر الماضية من حكم «العدالة والتنمية» فى معالجة كثير من هذه المشكلات التى كانت معقدة واستمرت لعشرات السنين مع الحكومات العلمانية المتعاقبة فى تركيا، ورغم اختلاف الظروف بين كل من مصر وتركيا فى بعض الجوانب فإن الاستفادة من التجربة التركية فى هذه المجالات التى قطعت فيها شوطاً سيؤدى دون شك إلى تطوير الأداء الخدماتى والحكومى، ولعل الزيارة التى سبقت زيارة أردوغان والتى قام بها رئيس بلدية إسطنبول للقاهرة وعقد اتفاقية تآخٍ بين القاهرة وإسطنبول وتم الاتفاق خلالها بينه وبين محافظ القاهرة على تقديم الخبرة فى علاج المشكلات الأساسية التى تعانى منها القاهرة، وعلى رأسها المرور والنظافة والأمن، يمكن أن يسهم على المدى القريب فى شعور سكان القاهرة بتغيير فى حياتهم، لكن كل هذه الاتفاقيات التى تتم لن يكون لها قيمة إذا لم تكن هناك رغبة وتعاون من قِبل الشعب المصرى للخروج من هذا النفق المظلم والاستفادة من تجارب الآخرين، أما إذا ظل الشعب يمارس الفوضى ولا يريد الخروج منها فلن تفيده أية اتفاقات أو أى خبرات عالمية حتى لو كانت من بلاد «الواق واق».

Total
0
Shares
السابق

سيناريو حرب غزة

التالي
أحمد بنّور

أحمد بنّور ج2 : استبداد بورقيبة ..ومنع تعدد الزوجات وإغلاق جامع الزيتونة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share