سيناريو حرب غزة

فى الوقت الذى تُرسِل فيه إسرائيل إشارات، بل رسائل واضحة، برغبتها فى وقف إطلاق النار فى حربها على غزة، فإنها تواصل قصف القطاع بوحشية وبغارات مستمرة بالليل والنهار، لتحقيق عدة مكاسب قبل أن تدخل فى مفاوضات جدية وهدنة فعلية لوقف الحرب، لاسيما بعد الاجتماع الذى شهدته القاهرة بين ثلاثة زعماء، هم المصرى محمد مرسى، والتركى رجب الطيب أردوغان، والقطرى حمد بن خليفة آل ثانى، وكلهم معروفون بدورهم الداعم للقضية الفلسطينية الرافض لما تقوم به إسرائيل. فمع دخول الحرب يومها السادس وصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من مائة، فيما زاد عدد الجرحى عن سبعمائة، معظمهم من الأطفال والنساء، ولا شك أن إسرائيل تستهدف من وراء ما تقوم به تحقيق عدة نتائج، من أهمها تصفية بعض قادة كتائب عزالدين القسام الذين يذيقون إسرائيل وشعبها بعض ما يذيقونه للفلسطينيين من خلال صواريخ القسام، وقد نجحت إسرائيل بالفعل فى اغتيال قائد كتائب القسام أحمد الجعبرى، كما أعلنت عن اغتيال آخرين، منهم مسئول إطلاق الصواريخ فى كتائب القسام، غير أنها مع كل شهيد من هؤلاء تقتل وتصيب عشرات من النساء والأطفال وتدمر عشرات المنازل على رؤوس أهلها، وتشيع الذعر فى القطاع. الهدف الثانى هو تدمير كل مؤسسات الدولة، فقد قصفت مقر الحكومة فى غزة ودمرته بعد ساعات من زيارة رئيس الوزراء المصرى هشام قنديل له، كما دمرت مدينة عرفات للشرطة، أكبر تجمع للشرطة تديره الحكومة فى غزة، وبعض مراكز الشرطة، والدفاع المدنى، والأحوال المدنية، ومن ثم تجهز على كل مقرات الحكومة التى سبق وأن أجهزت عليها فى حرب عام 2008، وفى الوقت الذى مازالت فيه غزة تعانى من آثار حرب عام 2008 مثل وجود عشرات الأسر التى هُدمت بيوتها فى خيام أو بيوت مؤقتة، فإنها تضم إليهم عشرات آخرين لتزيد مأساة سكان القطاع وتدفعهم للضغط على حكومة حماس لوقف إطلاق الصواريخ أو القبول بهدنة، كما تستهدف إسرائيل منصات ومواقع إطلاق الصواريخ التى رصدتها خلال الفترة الماضية، وكذلك الورش التى تدّعى أن حماس تستخدمها فى صناعة الصواريخ، ورغم ذلك فإن صواريخ حماس تنطلق باتجاه المدن الإسرائيلية بمداها الجديد، الذى وصل إلى ثمانين كيلومتراً، ووصل إلى القدس وتل أبيب وهرتزليا، ورغم نجاح نظام القبة الفولاذية الذى كلف إسرائيل عدة مليارات من الدولارات فى صد عدد من الصواريخ، فإن وضع إسرائيل فى حالة تأهب وحالة حرب بمدنها الرئيسية وسكانها الذين يقضون كثيراً من الوقت فى الملاجئ يُضفى على معادلة قوة الضعف فى الحرب بعداً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، ويدفع الشعب الإسرائيلى للضغط على حكومته، لأنه لا يستطيع الدخول فى حرب طويلة، ورغم كل ما تقوم به إسرائيل فقد بلغ عدد الصواريخ التى أطلقتها كتائب القسام على إسرائيل خلال ستة أيام من الحرب ثمانمائة صاروخ، أشاعت الرعب فى كل أنحاء فلسطين المحتلة والمدن الإسرائيلية الرئيسية، وقد دفع هذا الأمر إسرائيل -حسبما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» فى عددها الصادر صباح الإثنين 19 نوفمبر- أن ترسل إلى مصر رغبتها فى التوسط لوقف إطلاق النار من خلال ستة شروط، أولها فترة هدنة مدتها خمسة عشر عاماً، وهذه المدة الطويلة التى تريدها إسرائيل للهدنة تعكس حجم الهلع الذى تعيشه ورغبتها فى الهدوء والاستقرار مع التقدم العسكرى لحماس وتغير الأنظمة العربية الموالية لإسرائيل، وأن تكون هذه الهدنة بضمانة مصر وقيادتها السياسية الجديدة، مما يعنى إدخال مصر ضمناً فى الهدنة وليس حماس فقط، لأنها اشترطت أن يكون الضامن لهذه الهدنة، القيادة السياسية المصرية التى تعرف إسرائيل أن من يقودها هو الرئيس محمد مرسى أحد قيادات الإخوان المسلمين، وهذا الطلب يحمل دلالات عميقة تدرك إسرائيل أهدافها من ورائها، وحتى يتم بحث الهدنة وشروطها والتفاوض عليها، تواصل إسرائيل ضرب المزيد من الأهداف فى غزة التى أعلنت أنها وصلت حتى اليوم السادس من الحرب إلى 1100 هدف. لا شك أن الحرب هذه المرة لن تكون مثل سابقاتها، وأن إسرائيل تعيد حساباتها، لكن التدخل لوقف سيلان مزيد من الدماء وإجبار إسرائيل على احترام إرادة الشعوب العربية أصبح مطلباً مُلحاً اليوم وليس غداً.

Total
0
Shares
السابق

طبول الحرب تدق

التالي

زيارة أردوغان التى لم تحظَ بالاهتمام الإعلامى

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share