إسرائيل تقتل الصحفيين

تلعب الصور دورا رئيسيا فى تأريخ الأحداث لا سيما الحروب، ولعل الجميع يذكر أن حرب فيتنام التى كبدت الولايات المتحدة خسائر كبيرة على مدى أكثر من أحد عشر عاما، لعبت صورة التقطها صحفى أمريكى لفتاة فيتنامية تجرى وهى تحترق بالنابالم الأمريكى دورا كبيرا فى صناعة تيار مضاد للحرب دفع الولايات المتحدة فى النهاية إلى إيقاف الحرب والانسحاب من فيتنام، كما لعبت الصور التى التقطت فى سجن أبوغريب فى العراق التى صورها الجنود الأمريكيون على سبيل التسلية دورا كبيرا فى كشف فضائح وجرائم الأمريكيين التى كانوا يرتكبونها ضد العراقيين العزل فى السجون، كما لعبت الصور دورا كبيرا فى حروب كثيرة أخرى دارت فى المنطقة لذلك تحرص الدول المعتدية على منع وصول الصورة إلى وسائل الإعلام وإلى الناس وأقصر الطرق لتحقيق ذلك هو قتل عدد من الصحفيين لإرهاب الآخرين حتى لا تخرج الصورة إلى الناس، وتعمل على صناعة رأى عام مضاد للأعمال الإجرامية التى تقوم بها الدول المعتدية ولعل كثيرين يتذكرون صورة الطفل الفلسطينى محمد الدرة الذى قتله الإسرائيليون بدم بارد فيما كان أبوه يحاول حمايته من وابل الرصاص الإسرائيلى الذى كان ينهال عليه وعلى ولده وهو أعزل من السلاح، حيث لعبت هذه اللقطات دورا هاما فى صناعة رأى عام عربى وعالمى معاد لإسرائيل، ومثله صور كثيرة أخرى لعبت دورا هاما فى تدوين تاريخ إسرائيل الإجرامى ضد الشعب الفلسطينى، هذا الإجرام الذى لم يتوقف منذ اغتصاب فلسطين، لذلك فإن إسرائيل التى شعرت بجرائمها البشعة التى ترتكبها فى حربها الحالية على غزة وأن الصحفيين ووسائل الإعلام تنقل هذه الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية على الهواء مباشرة إلى الناس فى أنحاء العالم، لذلك قررت أن توجه صواريخها وقنابلها للصحفيين والمراكز الإعلامية هناك، حتى ترهب الصحفيين الذين ينقلون جرائمها للعالم وتملأ نفوسهم بالخوف، وقامت إسرائيل على مدى الأيام الماضية بقصف عدد من المحطات التليفزيونية والإذاعية فى غزة واستهدفت سيارات مصورين صحفيين كانوا فى طريقهم لتصوير بعض ما تمارسه من جرائم، وقصفت مكاتب إعلامية فى أبراج سكنية تعج بالمدنيين بقنابل وصواريخ أحدثت دمارا هائلا فى البنايات المقصودة وعشرات المبانى التى تجاورها، حتى وصل الدمار الجزئى إلى مكاتب كثيرة أخرى منها مكتب قناة الجزيرة فى غزة، ووصف الزميل وائل الدحدوح قصف المكاتب الإعلامية بأنه أقوى غارة إسرائيلية شنتها إسرائيل على غزة منذ بداية حربها الأخيرة، وإسرائيل بهذه الأعمال الإجرامية ترسل رسائل مباشرة وغير مباشرة لكل الصحفيين الذين يغطون الحرب فى القطاع، رسائل دموية إجرامية، لكنها لا تعلم أن هذا يزيد من عزم الصحفيين ويدفعهم إلى مواصلة عملهم ومهماتهم، وأن طابور الشهداء من الصحفيين الذين يقومون بتغطية الحروب طويل للغاية وينضم إليه كل يوم المزيد ممن يصرون على نقل الحقيقة إلى الناس حتى لو كلفهم هذا أعمارهم، وقد بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال قيامهم بتغطية أعمالهم خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 2012 اثنين وسبعين صحفيا أغلبهم فى سوريا وارتفع العدد حسب «حملة الشارة الدولية لحماية الصحفيين» إلى مائة وعشرة صحفيين حتى نهاية سبتمبر الماضى 2012، عدد الذين قتلوا منهم فى سوريا وحدها ثلاثة وثلاثون وهو ما يفوق عدد الذين قتلوا فى العام 2011 الذين بلغ عددهم مائة وسبعة صحفيين فى أنحاء العالم، ولنا أن نتخيل الزيادة الهائلة فى عدد القتلى من الصحفيين خلال تغطيتهم للحروب سنويا، إذا علمنا أن عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية التى امتدت من العام 1939 وحتى العام 1945 لم يزد على تسعة وستين صحفيا فقط خلال ما يقرب من ست سنوات، فى الوقت الذى أصبح يقتل فيه مثل هذا العدد خلال ستة أشهر فقط، ولعل إحصاءات الشهور الستة الأولى من هذا العام تؤكد على ذلك، ورغم أن العام لم ينقض بعد فإن مواكب الشهداء والقتلى من الصحفيين تزداد يوما بعد يوم وربما يسجل هذا العام رقما كبيرا من الأرقام التى تضاف إلى قوائم الشهداء الباحثين عن الحقيقة الذين يسجلون التاريخ وينقلون أحداثه لهذا الجيل والأجيال القادمة.

Total
0
Shares
السابق

هشام قنديل

التالي

المؤامرة على مصر والعبث بالثورة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share