هزيمة المنسحبين

ألغيتُ كل مواعيدى والتزاماتى، رغم كثرتها، وجلست مثل ملايين المصريين أمام شاشة التليفزيون يوم الخميس الماضى 29 نوفمبر، حتى وقت متأخر من الليل، لأتابع حدثاً تاريخياً هاماً ومشرفاً لمصر وشعبها، بل وللعرب جميعاً وهو تصويت الجمعية الـتأسيسية للدستور على دستور مصر الجديد، تمهيداً لرفعه للرئيس المصرى حتى يدعو الشعب إلى التصويت عليه، ورغم أنى كنت قد قرأت مواد الدستور من قبل، إلا أننى من خلال قراءة الدكتور حسين حامد حسان، كنت كمن يسمعها لأول مرة، وقد وقفت عند روعة الصياغة ودقة العبارة، التى شارك فيها خبراء دستوريون مسلمون ومسيحيون تم توجيه التحية إلى بعضهم خلال الجلسة، وكانت الفرحة تغمرنى كلما وجدت نصاً جديداً ينصر مظلوماً أو يستر فقيراً أو يلبى حاجة عامل أو فلاح أو أياً من الطبقات المهمّشة، ويقر حقها على الدولة أن توفر لهم الحياة الكريمة، أو يحفظ حقوق الإنسان وكرامته من أن تنتهك، وينظم علاقة الإنسان بكل أركان الدولة، وعبارة الإنسان هى من أقوى ما ورد فى الدستور، لأنها تجعل لكل إنسان على أرض مصر، حتى لو كان زائراً لها، حقوق الإنسان المصرى، وهذا لا يوجود فى أى دستور فى العالم. لقد شعرت بأن كرامة المصريين قد أعادها هذا الدستور إليهم، وبدا أن جهداً غير عادى قد بُذل من الأعضاء حتى الوصول إلى هذه الصياغات وهذه المواد التى لا نقول إنها تصل إلى حد الكمال، لكنها تحقق نجاحاً مرحلياً يكافئ ما بذله الشعب من تضحيات، وما قام به من ثورة، وقد أعلن المستشار الغريانى أن كل مادة استغرقت ما يقرب من ثلاثمائة ساعة من النقاش والإعداد. وحضرنى وأنا أتابع مشهدين، الأول هو مشهد القاضى المحترم حسام الغريانى الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى رئيس الجمعية التأسيسية للدستور، وهو يدير الجلسة بحكمة وحنكة وحزم ودعابات وخفة دم واحترام وتقدير متبادل بينه وبين الأعضاء، أما المشهد الثانى فقد كان مشهد العصبية والتشنج والصراخ والابتذال الذى كان فى اجتماع نادى القضاة، والأسوأ منه هو الجمعية العامة لإحدى المحاكم التى حضرها 160 قاضياً، وكان مستوى الحاضرين فيها مثل هتيفة الشوارع حينما قالوا: «يسقط يسقط حكم المرشد»، و«يسقط يسقط حكم المرسى»، أو القاضى الكبير جداً فى منصبه الذى قال «مرسى كان يستدر عطفنا خلال الاجتماع»، وقلت يا إلهى إلى أى درك أوصل هؤلاء القضاة مصر وقضاءها، لكنى حينما شاهدت المستشار الغريانى والمستشارين الأكفاء المحترمين فى جلسة الجمعية التأسيسية أدركت أن مصر ولادة، وهذا الزبد الهستيرى من القضاة المتشنجين سوف ينتهى ويتلاشى. الأمر الآخر الهام هو النداء الذى وجهه المستشار الغريانى إلى أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، الذين وقّعوا بالموافقة على المسوّدة، ثم أعلنوا انسحابهم حتى يُفشلوا الجمعية ويُدخلوا البلاد فى الفراغ، قال لهم الغريانى يوم الأربعاء «أرجو أن يوجد الجميع حتى ينالوا شرف التصويت والمشاركة فى هذه اللحظة التاريخية، لكن أفضل ما فعله هؤلاء هو عدم عودتهم للجمعية، لأنهم حقاً لا يستحقون هذا الشرف، فقد كذبوا على الشعب، وما زلوا يشوهون الدستور بكلام لا يقنع طفلاً صغيراً، كنت سأحزن لو حضر هؤلاء المنسحبون، لأنهم حقاً لا يستحقون هذا الشرف.

Total
0
Shares
السابق

المتظاهرون ضد الرئيس مرسى

التالي

ماذا حدث للرئيس مرسى يوم الجمعة الماضى ؟ (2)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share