فضائح البابا (1)

«بعد أن فحصت ضميرى أمام الله تيقنت بأن قوتى وتقدمى فى السن أصبحا غير ملائمين لممارسة منصب الوزارة البطرسية، كما أن عالم اليوم يخضع لتغيرات سريعة وتحركه مسائل لها أهمية كبيرة لحياة الإيمان لهذا أعلن تنازلى عن منصب أسقف روما». يبدو أن نص الاستقالة هذا الذى قدمه البابا بنديكت السادس عشر، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى مجلس الكرادلة فى جلسة استثنائية عقدها فى الأسبوع الماضى لم يكن مقنعاً لأحد، فهذه هى المرة الأولى فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التى يتقدم فيها البابا باستقالته منذ قيام البابا شيليستينو الخامس بتقديم استقالته قبل ستمائة عام فى ظروف مختلفة كثيرة عن ظروف اليوم، ففى مقابلة أجرتها «الجزيرة نت» مع دانييلى مينوتسى، أستاذ التاريخ فى جامعة الدراسات العليا فى مدينة بيتزا الإيطالية، حول ظروف هذه الاستقالة قال «إن هناك مشاكل كثيرة هى التى دفعت البابا للاستقالة منها فضائح الفساد والاعتداءات الجنسية والصراع على السلطة والخلافات حول عقيدة الإيمان»، وفى رأى آخر قال ماركو فينتورا، أستاذ القانون والدين فى جامعة ليوفان فى بلجيكا: «إن المشكلة الحقيقية لدى البابا هى الصراع من أجل الدين فى عالم علمانى سريع التغيرات، فالبابا ضحية مثل باقى القيادات الدينية للتغيرات السريعة»، أما صحيفة «واشنطن بوست» فقد قالت فى تقرير مطول ذكرت فيه قصص استقالات الباباوات الأربعة على مدار الألف عام الماضية «إن استقالة بنديكت السادس عشر هى الأكثر غرابة من بين كل الاستقالات القليلة التى بلغ مجموعها أربعاً فقط طيلة الأعوام الألف الماضية». أما صحيفة «الديلى تلجراف» البريطانية فقد أجابت عن سؤال عما إذا كانت فترة رئاسة البابا للكنيسة التى بدأت فى عام 2005 ناجحة؟ فقالت: ليس هناك إشارة واحدة تحكم على أن فترة رئاسته كانت ناجحة، فالرجل الذى لخص أفكاره حينما تولى أمر الكنيسة فى أربع نقاط هى: عمل الخير والأمل والعدالة الاجتماعية والإيمان، لم ينجح فى تحقيق أى منها طيلة ثمانى سنوات، أما صحيفة «الجارديان» فقد وصفت استقالة البابا المفاجئة بأنها كانت صدمة، وأرجعت ذلك إلى أنها لم يحدث مثلها فى القرون الأخيرة، فالباباوات عادة ما يتولون مهام الكنيسة وهم كبار فى السن لكنهم عادة ما يبقون فى مناصبهم حتى وفاتهم، ومن ثم فهناك قصة خفية لهذا الأمر ربما لن تعرف أبداً. وقد اعتبرت الصحيفة فترة بنديكت السادس عشر امتداداً لفترة يوحنا بولس الثانى الذى بقى راعيا للكنيسة سبعة وعشرين عاماً، ومن أهم العيوب التى وقع فيها بنديكت السادس عشر وكانت امتداداً لمن قبله فشله فى إعادة النظر فى المذاهب الأخلاقية وموقفها الثابت من الشذوذ الجنسى والعزوبية والإجهاض وتحديد النسل، وهذا من أهم أسباب الاختلاف بين كبار رجال الدين والعلمانيين فى الغرب، وهذا ما دفع المجتمعات الأوروبية الكاثوليكية فى أمريكا الشمالية وشمال أوروبا إلى التمرد على الكنيسة أو تغادرها أو تبقى مكانها ولا تطيع ما يأتى من روما، ومن أكثر العيوب التى وقعت فيها الكنيسة فى الغرب هو إعراض الأوروبيين والأمريكيين عن تولى شئون الكهنوت داخل الكنيسة مما أدى إلى جلب قساوسة إلى أمريكا والغرب من أصول آسيوية وأفريقية ليتولوا أمر الكهنوت فى هذه الدول رغم كل الفوارق الاجتماعية والثقافية بين المجتمعات التى جاءوا منها والمجتمعات الغربية، مما أدى إلى أزمات كبيرة داخل الكنيسة. أما صحيفة «الإندبندنت» البريطانية فقد قدمت قراءة أكثر عمقاً حينما قالت إن بنديكت السادس عشر أدى لانقسام الكنيسة الكاثوليكية خلال فترة رئاسته لها، وإن استقالته ربما تعيد لحمة الكنيسة مرة أخرى لأن البابوية مثلت ثقلاً كبيراً على كاهله لم يستطِع القيام بمسئولياته وربما تجد الكنيسة من يخدمها بشكل أكبر بعد رحيله، لكن أكثر الصحف تناولاً للموضوع كانت الصحف الألمانية والإيطالية أيضاً على اعتبار أن البابا ألمانى الأصل، فقد التحق بحركة شباب هتلر خلال فترة مراهقته، لذلك اعتنق المذهبية المحافظة حينما دخل السلك الكهنوتى، لكن الفضائح لاحقته من أول يوم دخل فيه إلى المقر البابوى فى روما بدءاً من الشذوذ الجنسى إلى الفضائح المالية والصراع داخل الكنيسة. «نكمل غداً»

Total
0
Shares
السابق

لماذا لا يفعل «مرسى» مثل ديفيد كاميرون؟

التالي

.. فضائح البابا (2).. الكراهية والتعصب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share