التغلغل الأمريكى فى السياسة المصرية

الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للقاهرة أكدت حجم التغلغل الأمريكى فى السياسة الداخلية والخارجية المصرية الذى بدأ فى عهد السادات واستشرى فى عهد مبارك، والذى من الصعب اقتلاعه لأن الذين تم زرعهم فى كل مؤسسات الدولة ممن يعملون لصالح الولايات المتحدة وليس لصالح مصر كانوا أكثر من الخيال، ولم يكن مبارك ومن حوله إلا القمة الظاهرة من جبل الجليد، فحجم اللقاءات التى عقدها كيرى مع معظم الأطراف المصرية سواء الرسمية أو غير الرسمية، وحجم التصريحات التى أدلى بها والتى وصلت إلى حد التدخل فى شكل إجراء الانتخابات ووجود أطراف كثيرة لم تخفِ ولاءها وحرصها على أن تستنجد بكيرى تُظهر هذا التراكم الذى عملت الولايات على إحداثه فى كل مؤسسات الدولة، وهى الآن تجنى ثمار ما جرى فى عهد مبارك. أذكر فى هذا الإطار أنى فى أعقاب قيام الثورة المصرية وفى الأسبوع الثانى من تنحى مبارك التقيت مع إحدى الشخصيات المصرية التى درست فى الولايات المتحدة وتحتفظ بعلاقات جيدة مع أطر عديدة، وتناولنا الغداء معاً وتحدثنا فى شأن الثورة ومستقبلها واحتمالات نجاحها وإخفاقها، والتحديات التى تواجهها، وكان مما حدثنى به أنه فوجئ ببعض الشخصيات الأمريكية التى لم يتواصل معها من مدة من أساتذة جامعات وخبراء فى مجالات متعددة يعملون، حسب علمه، مع الإدارة الأمريكية من خلال مجالات تخصصاتهم، يتصلون به من القاهرة ويطلبون لقاءه، وبعدما التقى ببعضهم أبلغوه أنهم يقيمون فى بعض الفنادق التى اكتشف أنها من الفنادق البسيطة التى تقع فى محيط ميدان التحرير وقلب القاهرة رغم أن وضعهم الطبيعى أن يكونوا فى فنادق الخمس نجوم، وقد أبلغه بعضهم أن الإدارة الأمريكية فوجئت بقيام الثورة المصرية ولم يجدوا بداً من التخلى عن مبارك لكنهم قرروا إعادة السيطرة على المشهد بسرعة فائقة فأرسلوا عشرات من الخبراء الذين يعملون تحت ستار أنهم أساتذة جامعات أو خبراء فى مجالات مختلفة من أجل قراءة المشهد والعمل على تحريكه بشكل لا يضر بالمصالح الأمريكية، وقد أقام هؤلاء فى فنادق بسيطة ليسمعوا نبض الناس ويكونوا قريبين منهم ويستطيعوا تشكيل رؤية واقعية عما ينبغى للولايات المتحدة أن تقوم به من أجل استعادة سيطرتها على المشهد المصرى، وأعتقد أن الولايات المتحدة من خلال الجهد الذى بذلته خلال العامين الماضيين نجحت إلى حد كبير فى استعادة سيطرتها على المشهد وإدارته فى ظل الضعف المزرى للحكومة المصرية وعدم وجود رؤية لديها أو لدى القائمين عليها، وقد ظهر حجم التغلغل الأمريكى واستعادة السيطرة على المشهد من خلال الزيارات المتعددة الأخيرة وعدد المسئولين الأمريكيين الذين توافدوا على مصر لاسيما الذين لم يُعلن عنهم والذين يتولون مسئوليات كبيرة من خلال مناصب ظاهرها أنها غير مؤثرة، وكذلك التحركات التى تقوم بها السفيرة الأمريكية، حيث لا تكف عن الزيارات ودعوات الغداء والعشاء لكل طبقات المجتمع المصرى، وقد ظهر هذا الجهد الكبير من خلال حالة عدم الاستقرار التى تعيشها مصر، لأن مصر لن تستقر إلا بعد أن ترتب الولايات المتحدة أوراقها مع الحكام الجدد لمصر حينها سوف تنتهى التظاهرات وتختفى الاحتجاجات وتصبح الاعتراضات السياسية تدور فى إطار المعقول والسياسى بدلاً من الأداء الصبيانى والمتهافت للمعارضة الذى نشهده الآن. إن الولايات المتحدة تعانى دون شك فى أوضاعها السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن حجم النفوذ الأمريكى فى العالم ما زال كبيراً وستكون منطقة الشرق الأوسط هى آخر المناطق التى يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى عن مصالحها فيها، لسببين رئيسيين؛ الأول هو إسرائيل التى تُعتبر امتداداً طبيعياً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للولايات المتحدة، والسبب الثانى هو النفط الذى ما زالت الولايات المتحدة تعتمد عليه كمصدر رئيسى للطاقة، وما دامت هذه المنطقة هى الأغنى فى العالم فلن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها فيها بسهولة. الحقيقة التى يجب أن ندركها من خلال الأحداث الجارية هى أن النفوذ الأمريكى فى مصر لم ينته بقيام الثورة ولا بانتخاب الرئيس ولن ينتهى بسهولة إلا بعد أن تملك مصر المقومات والأدوات التى تمكّنها من ذلك، حينها تستطيع مصر أن تستعيد قرارها وسيادتها الكاملة عليه.

Total
0
Shares
السابق

الجندى الذى فضح الجيش الأمريكى

التالي

تصاعد الفوضى فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share