تفشي البلطجة في مصر

يوم الأربعاء الماضي 6 مارس 2013، قدمت برنامجي التليفزيوني الأسبوعي بلا حدود من القاهرة، وانتهى البرنامج في العاشرة مساء بعدها ركبت سيارتي قاصدا الطريق الدائري عبر كورنيش النيل، لكني فوجئت في هذا الوقت المبكر الذي تغص فيه الشوارع بالناس وتمتلئ بالسيارات أن عددا من البلطجية والصبية يقطعون طريق الكورنيش ويمنعون السيارات من العبور، والمفاجأة الأكبر أن كل ركاب السيارات كانوا يمتثلون، اقتربت أكثر محاولا ألا أمتثل وقلت لهم أريد أن أمر قالوا : لن تمر والطريق مقطوع، كان أمامي حلان لا ثالث لهما، اما أن أدخل معهم في مواجهة وهذا يعني أني سوف أتعرض لما يتعرض له من يواجهون هؤلاء الذين يمارسون البلطجة علنا في قلب القاهرة وعلى طريق الكورنيش وإما أن أعود، حاولت تجاوزهم حينما شاهدت بعض السيارات تتجه إلى كوبري قصر النيل فسرت خلفها، لكني وجدت الكوبري مغلقا بعدد آخر من الصبية والبلطجية بعضهم يفرض فردة أي مبلغا من المال على السيارات حتى تمر أو يمنعون المرور نهائيا، فاضطررت للعودة وأنا أشعر بالحزن الشديد على ما آل اليه وضع مصر وعلى توحش البلطجة بها ووصولها إلى هذا الحد وقلت كيف يمكن للسياحة أو الاقتصاد أو الاستثمار أن ينمو في ظل هذا الجور وفي ظل هذه المفاسد الشكلية التي تدفع الناس إلى الخوف على أرواحهم وأنفسهم وإحجامهم عن القيام بأي شيء فاعل انتظارا لما سوف تسفر عنه الأمور.
في الأسبوع الماضي وقعت بعض الحوادث المحزنة حيث حاول عدد من البلطجية أن يستولوا على سيارة من صاحبها في طريق سمنود المحلة الكبرى لكن الرجل الذي كان يصطحب زوجته وابنته وزوج ابنته رفض فقتله البلطجية وعائلته واستولوا على السيارة، وفي قلب القاهرة وعند النادي الأهلي في مدينة نصر اختطف عدد من البلطجية أربعة مهندسين كانوا يحملون ثلاثة ملايين جنيه إلى الصحراء واستولوا على ما معهم من مال، وفي الطريق الدائري تعرض كثير من الناس لأعمال البلطجة، أما ما يحدث في الطرق الفرعية فهو يفوق الخيال، وقد حدثني أحد أصدقائي من رجال الأعمال أن أصحاب سيارات النقل أصبحوا يرفضون نقل البضائع إلى بعض الطرق التي بها خطر، ومنها شرم الشيخ حيث يعتبرون سيناء منطقة خطر.
والبلطجة في مصر لم تعد تتوقف عند حد السطو المسلح أو قطع الطرق أو القتل، وانما أصبحت تمارس في كل مجالات الحياة فبعض الأهالي الذين تقصر الدولة في أخد حقوقهم من البلطجية يقومون بمطاردة البلطجية وقتلهم، والبلطجية الذين تقوم الدولة بالقبض عليهم يأتي أقاربهم وأعوانهم للثأر لهم أو اختطافهم من المستشفيات أو أقسام الشرطة أو يقوم القضاء بالإفراج عنهم لأسباب غير مفهومة حتى الآن حتى أن الشرطة تشعر بأن جهودها في ملاحقة البلطجية تبوء بالفشل، لأن الإفراج عنهم يعني تحديهم للشرطة والمجتمع من جديد، ويدفع غيرهم لمشاركتهم فيما يقومون به، كثير من هؤلاء تم القبض عليهم من قبل القوات المسلحة خلال الثورة لكن الرئيس مرسي الذي تعهد بالافراج عن كل المعتقلين لم يفرق بين البلطجية والثوار فأفرج عن الجميع فانتشر البلطجية مرة أخرى وكان هذا هو الخطأ الأكبر الذي تجني مصر كلها نتيجته حتى الآن، لاشك أن هناك من يمول البلطجية لأن بث الفوضى في مصر معناه ألا يعود الاستقرار ويتحقق أمل هؤلاء بسقوط النظام الذي انتخبه الشعب، وتشارك في البلطجة قطاعات كبيرة ممن يعملون على سقوط النظام منهم اعلاميون وصحفيون ورجال أعمال لاسيما ذيول الحزب الوطني المنحل أو الفاسدين الذين كونوا ثرواتهم خلال عهد مبارك عهد الفساد، ويساعد على تفشي البلطجة حكومة ضعيفة، وشرطة منهكة، وقضاء غير حازم في محاكمتهم وانتشار السلاح في أيدي الناس وعدم اكتمال مؤسسات الدولة ومنها مجلس الشعب الذي لم يعد يعلم أحد بعد حكم القضاء الأخير متى يتم انتخابه، ان اشاعة الفوضى في كل مجالات الحياة معناه الشلل التام، لكن المشكلة الأكبر هي في عجز من يحكم على ادارة المرحلة.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

رشاوى المخلوع مبارك ورجاله

التالي

لا أقول وداعاً!!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share