الصين فى عهد مبارك (2)

يكمل البروفيسور تشونج جى كون أستاذ اللغة العربية فى جامعة بكين حديثه معى حول شهادته على عصر مبارك فيقول: عدت إلى الصين بعد انتهاء دراستى فى جامعة القاهرة فى العام 1980، وكل أملى آنذاك أن تصبح بكين مثل القاهرة والصين مثل مصر، لكنى حينما عدت إلى الصين كان عصر النهضة قد بدأ بعد انتهاء مفعول الثورة الثقافية التى أعلنها ماوتسى تونج وحكم عصابة الأربعة الذين كان من بينهم زوجته، وكان التخطيط لنهضة الصين قد بدأ فى العام 1976، وحينما عدت وجدت التنفيذ قد بدأ، الإمكانات الأساسية التى كانت تملكها الصين هى الإنسان الصينى، ورغم ارتفاع نسبة الأمية والفقر فإن الخطط التى وضعتها الدولة للانطلاق كانت عظيمة، وبدأ الانطلاق الفعلى والملموس مع تولى حسنى مبارك السلطة فى العام 1981، كان عدد سكان الصين حينما بدأت نهضتها حوالى 800 مليون والآن يصل إلى مليار وثلاثمائة مليون، وهذا العدد الضخم من السكان يمكن أن يكون عقبة أمام أى حاكم لكنه كان نعمة وساعد فى نهضة الصين، كانت الصين تتغير كل يوم، وبينما كان سكان القاهرة يقفون عند الحد الذى تركتهم عليه بل كان وضعهم يتدهور يوما بعد يوم كانت بكين وكثير من مدن الصين الآخرى تتجه نحو مواصفات المدن العالمية، وخلال ثلاثين عاما حكم مبارك فيها مصر وصلت الصين إلى منافسة أكثر دول العالم تقدما، لتصبح أكبر مصدر فى العالم، وأكبر دولة جاذبة للاستثمارات فى العالم، وبينما كانت نسبة الفقر تعم كل مدن الصين بما فيها العاصمة بكين أصبحت نسبة التحضر فى مدن وقرى الصين تتجاوز نسبة الخمسين فى المائة وارتفع دخل الفرد أكثر من عشرة أضعاف فى المتوسط وما يزيد على عشرين أو ثلاثين ضعفا لدى الأفراد المميزين، ولو مشيت فى شوارع الصين لوجدت أحدث السيارات فى العالم، صحيح أن هناك فسادا وهناك فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء لكن نهضة البلاد أتاحت الفرصة لكثيرين أن يغيروا أوضاعهم نحو الأفضل، ويمكنك أن تجد ناطحات السحاب والحياة المنظمة فى جميع المدن.

ما جعلنى أشعر بالحزن أنى عدت إلى مصر فى العام 2005 فوجدت البلد الذى تمنيت أن تصبح الصين مثلها قبل 25 عاما قد تدهورت إلى حد كبير، ركبت مع سائق تاكسى وقلت له لقد كنت هنا قبل خمسة وعشرين عاما ولم ألاحظ أن شيئا قد تغير، فأجابنى سائق التاكسى قائلا: التغير الذى حدث أن كل شىء صار للأسوأ، يومها توقعت أن يثور هذا الشعب على هذا الحاكم الظالم، وهذا ما حدث بالفعل، وقد قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأنا فى مصر حيث كنت ضمن وفد صينى جاء إلى مصر للمشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب وعايشت أيام الثورة الأولى وبقيت فى مصر خمسة أيام غادرت بعدها عائدا إلى بكين وأنا أتوقع أن يسقط هذا الحاكم الذى أعاد مصر للوراء بينما نهضت الصين من الخواء لتصبح القوة الاقتصادية الأهم فى العالم. وتصديقا لكلام البروفيسور تشونج فقد قمت بزيارة الصين مرتين الأولى فى العام 2009 والثانية فى العام 2013، ولاحظت كيف تتطور الصين بشكل لافت وعلى سبيل المثال لا الحصر ازداد الناتج المحلى الإجمالى للصين من 26.6 تريليون يوان إلى 51.9 تريليون يوان «الدولار يساوى 6 يوان تقريبا»، تم توفير 58.7 مليون فرصة عمل بينها 12 مليون فرصة عمل خلال العام الماضى وحده، تم مد خطوط سكك حديدية جديدة طولها 19.7 ألف كيلو متر منها 8951 كيلومترا للسكك الحديدية فائقة السرعة، أما الصينيون الذين كانت الدراجة هى وسيلة الانتقال التى كان يمتلكها أستاذ الجامعة فقد ارتفع معدل امتلاكهم للسيارات الخاصة ليصبح 21.5 سيارة خاصة لكل مائة شخص، بينما كانت النسبة فى العام 2007 لا تزيد على 6 سيارات لكل مائة شخص، أما متوسط أعمار الصينين فقد ارتفع ليصل إلى 75 عاما، للفرد، هذا بعض ما حدث فى الصين خلال خمسة أعوام فقط فماذا فعل مبارك خلال ثلاثين عاما حكم خلالها مصر من الخراب والدمار وفى النهاية يجد من يقف إلى جواره ويدعمه ويدافع عنه؟

للمزيد:

Total
0
Shares
السابق

الصين فى عهد مبارك (1)

التالي

التجربة الصينية.. ونهضة مصر(1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share