حرفة التنفيس الإعلامى

نجحت رئاسة الجمهورية فى مصر بعمل دعاية إضافية للإعلامى باسم يوسف تقدر بملايين الدولارات عبر تقديم البلاغات فيه إلى النائب العام رغم حفظها بعد ذلك، وكنت ولازلت أنتقد تصرفات الرئاسة بشأن التعامل مع الإعلاميين، لأن كل من يتصدر للعمل العام يجب أن يغض الطرف عن كل ما يقال عنه ويركز فى أدائه وعمله والحكم للناس بعد ذلك إما أن تصدق ما يقوم به المسئول من خلال عمله وإما أن تصدق الإعلامى من خلال أكاذيبه، وقد أخطأت الرئاسة فى أمرين الأول هو أنها لم تدرك بأن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه أى سياسى هو أن يدخل فى مواجهة مع الإعلاميين لاسيما مقدمى برامج التليفزيون لأنهم الأكثر شعبية وشهرة ووصولا إلى الناس ويكفى أن كل المدلسين من مقدمى البرامج فى عهد مبارك ومحاربى الثورة أصبحوا الآن هم الأبطال الذين يوجهون الشارع ونسى الناس جرائمهم، الثانى هو أن برامج مثل برنامج باسم يوسف مهمة جدا فى هذه المرحلة للنظام بل لو أن نظاما سياسيا محنكا هو الذى يحكم لبحث عن شخصية مثل باسم يوسف ليوظفها لتفريغ الشحن النفسى والإعلامى المضاد الذى يتعرض له الشعب المصرى وإلهاء الشعب حيث يجلس الناس أمام التليفزيون ليضحكوا وتفرغ طاقتهم وغضبهم لاسيما أن الشعب لا يجد مباريات كرة قدم ليفرغ فيها طاقته أو أماكن يأمن فيها على نفسه وعياله ليستمتع فيها بجمال مصر وطبيعتها الساحرة، وقد كان مبارك فى السنوات الخمس الأخيرة من حكمه يمارس ثقافة التنفيس وكلنا لا ننسى أن زكريا عزمى كان يقف فى مجلس الشعب ينتقد الحكومة نقدا شديدا كما أن التقرير السنوى للجهاز المركزى للمحاسبات كان يلعن النظام أعلاه وأسفله كما كانت المباريات الكروية ملهاة الشعب وشغله الشاغل،  فتتفرغ طاقة الناس وتجرى عملية التنفيس العامة يواكبها بعض الإعلاميين التابعين للنظام الذين كانوا يلعنون كل شىء ما عدا الرئيس وعائلته ثم وصل الأمر للرئيس وعائلته فى نهاية المطاف طالما أن هذا ينفس عن الناس ويبقى الرئيس يمارس ضلالاته حتى جاءت الثورة فعصفت به.

المرحلة مختلفة لكن السلطة فى هذه الفترة التى يتغول فيها الإعلام على النظام بشكل غير مسبوق بحاجة إلى أن تترك متنفسا للناس  بعدما تمكن الإعلام بالفعل من شحن نفوسهم ضد السلطة وعجز السلطة عن ترويج نجاحاتها حتى بالإعلام الرسمى، وباسم يوسف هو خير من يقوم بهذه المهمة فى هذه المرحلة، شخصيا حاولت أكثر من مرة أن أتابع باسم يوسف فلم أستطع الاستمرار أكثر من خمس دقائق، فالأداء به من السخافة والتكلف وقلة الذوق والأدب أحيانا بما يكفى أن ينصرف الإنسان الجاد عنه إلى ما هو أنفع وأجدى، وقناعتى أن هذه الظواهر فى البرامج التليفزيونية أشبه ما تكون بالأغانى الهابطة التى تأخذ مداها الذى لا يزيد على مدة اشتعال أعواد الثقاب ثم تختفى من المشهد أو يقل إقبال الناس عليها، لا أعرف لماذا لم يوظف النظام ظاهرة باسم يوسف لصالحة بدلا من أن يدخل فى حرب خاسرة معها؟ ولماذا لا يركز فى العمل والنجاحات ويوجه إعلامه الرسمى الفاشل لاستقطاب المشاهدين أو منافسة الإعلام المضاد الذى يزيد العداوة للنظام يوما بعد يوم؟

جلست مع  أحد رؤساء الحكومات الذين أفرزتهم الثورات العربية عدة ساعات فى بيته يشكو لى من التناول الإعلامى لأداء حكومته، وأنه مهما فعل من إنجازات لا ينظرون إلا إلى النواقص والأخطاء، قلت له: إن من يتصدر للحكم عليه أن يقبل الناس على ما هم عليه وأن يدرك أن الناس لن تثنى عليه أبدا ولن ترضى عنه وإن أثنى بعضهم فإن أغلبهم يظل متبطرا باحثا عما يعارض به، وهذه هى الديمقراطية الكل ينظر إلى الكرسى الذى يجلس عليه الرئيس أو رئيس الحكومة ويعتقد أنه أولى به منه وبالتالى فإن أول خطوة للوصول للكرسى هى عدم الرضا عن الجالس عليه ثم الحرب عليه بكل أشكالها، والإعلام أصبح الأداة الرئيسية فى هذا الأمر، إن ثقافة التنفيس الإعلامى حرفة والنظام الذى لا يجيدها دائما يخسر المعركة.

Total
0
Shares
السابق

حرب القمح في مصر

التالي

نظافة المحاكم وسن تقاعد القضاة؟

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share