نظافة المحاكم وسن تقاعد القضاة؟

استدعيت للشهادة أمام محكمة جنايات القاهرة قبل أيام فى إحدى قضايا الثورة المصرية، وحينما دخلت إلى مبنى مجمع المحاكم فى التجمع الخامس فى القاهرة الجديدة وهو الأحدث بين مجمعات المحاكم فى القاهرة هالنى وصدمنى ما رأيت من قذارة على الأرض وفى الطرقات، ولم أصدق أنى فى واحد من أحدث مبانى المحاكم فى مصر، الأوراق وأعقاب السجائر والأتربة والأوساخ تغطى كل مكان وكأن المكان لم يتم تنظيفه منذ أن تم بناؤه، ولا يوجد مكان فى بهو المحكمة لكرسى ليجلس عليه الإنسان أو يستريح حتى يأتى موعد الجلسة التى يترقبها علما بأن انتظار دور الجلسات يمتد أحيانا لعدة ساعات، ولم يكن هناك سوى قاعة المحكمة التى بها مقاعد للاستراحة حينما دخلتها لم أطق البقاء فيها لأن معظم الناس كانوا يدخنون السجائر وتعجبت أن قاعات المحاكم فى مصر ليس ممنوعا فيها التدخين علاوة على الفوضى العارمة والأصوات العالية والضوضاء داخل القاعة وكأننا فى سوق وليس قاعة محكمة، خرجت وبقيت فى البهو فصادفت الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وهو أحد كبار المحامين فى مصر يخرج من قاعة أخرى وقد ذكرتنى رؤيته على الفور بما كان قد رواه لى فى لقاءات سابقة بينى وبينه عما كانت عليه المحاكم فى مصر فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى من حيث النظافة والنظام والدقة وهيبة القضاة وبلاغة المحامين، حيث كان الناس يتوجهون لقاعات المحاكم حتى يشاهدوا المرافعات البليغة للمحامين العظماء والإدارة الراقية للقضاة المميزين، ومن المؤكد أن مبانى المحاكم كانت على المستوى العالمى التى بنيت عليه دار القضاء العالى وسط القاهرة أو المحاكم التاريخية العريقة التى أحرق بعضها مثل محكمة جنوب القاهرة، وكان الدكتور أبوالمجد قد أنهى مرافعته فى إحدى القضايا ودار بيننا نقاش عن هموم الوطن وهموم القضاء بشكل خاص، وقال لى لقد تحدثت مع القضاة عن أزمة القضاء أكثر مما تحدثت عن القضية التى جئت بشأنها، قلت له بالفعل هذا هم يعيش فيه الجميع بعدما تحولت أحكام بعض القضاة إلى أحكام سياسية تعيق مسيرة الثورة وتعرقل اكتمال مشوارها وتحول الأمر وكأنه حرب بين القضاة والنظام، وقد آلمنى أن تكون هذه النقاشات الحادة والعارمة فيما يتعلق بأزمة القضاء فى مصر دون التطرق لنظافة المحاكم والأجواء التى يجلس فيها القضاة ليحكموا بين الناس بالعدل، وقد تأكدت أن قذارة المحاكم هى عملية منهجية وشاملة وليست متعلقة بمكان واحد، وأذكر أنى حينما دخلت دار القضاء العالى عدة مرات مؤخرا فى إطار عمل يتعلق بحوار أجريته مع النائب العام المساعد المستشار حسن ياسين والتعرف على أبعاد أزمة النائب العام وجدت هذا المبنى العريق الذى بنى قبل ستين عاما تغطيه الأتربة وعدم النظافة داخله وخارجه، وأذكر قبل عدة سنوات أننى دخلت إحدى المحاكم وسط القاهرة فوجدت مستوى النظافة فى الحضيض وحينما دخلت مكتب رئيس النيابة وجدته إلى حد ما نظيفا، فقلت له: لقد صدمت بسبب القذارة الموجودة فى جنبات المبنى ولكن مكتبك إلى حد ما… وقبل أن أكمل قال لى: لقد دهنته وفرشته على حسابى الخاص، لقد كان امتدادا لتلك المزبلة التى رأيتها لكنى لم أطق الجلوس فيه، فقمت بفرشه على حسابى، وكذلك يفعل الزملاء، وقد سألت أحد الأصدقاء من المحامين الذين التقيتهم فى مجمع محاكم القاهرة الجديدة قائلا له: هل من المعقول أن القضاة والمحامين يقضون حياتهم فى العمل فى هذه الأماكن غير النظيفة، فقال لى: إن هذا المكان الذى تنتقد نظافته هو من أنظف المبانى ولو ذهبت إلى مجمع محاكم الجلاء لن تجد سلما لتصعد عليه، لقد تآكل السلم، ولن تستطيع التعرف على لون الأرضية من الأوساخ.

قبل الحديث عن سن تقاعد القضاة وما إذا كان ستين عاما أو سبعين يجب الحديث عن نظافة المكان الذى يجلس فيه القاضى، والذى يتقاضى فيه الناس فالمحاكم إذا كانت غير نظيفة هل يمكن أن تمنح من يعمل فيها أو يدخلها الراحة النفسية لكى يقضى بين الناس بالعدل؟ وهل يمكن أن يصل عمره إلى سبعين عاما فى الأساس إذا كان يجلس فى هذه الأماكن غير النظيفة؟

Total
0
Shares
السابق

حرفة التنفيس الإعلامى

التالي

الوزير الشاب والموظفون الكهول

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share