السموم التي يأكلها ويشربها المصريون

أجريت على مدى السنوات القليلة الماضية عدة حوارات فى برنامجى التليفزيونى «بلا حدود» حول تلوث نهر النيل فى مصر وكيف تحول فى عصر الفساد عصر مبارك من مصدر للحياة إلى مصدر للأمراض القاتلة والفتاكة والموت، لكن التحقيق الذى نشرته صحيفة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر يوم الأحد الماضى 12 مايو دق ناقوس الخطر ونبه للمصدر الرئيسى للأمراض والموت فى مصر، وأنا أعتبر مثل هذا النوع من الأعمال الصحفية من أهم الأعمال البناءة فى العمل الإعلامى فى وقت تفرغ فيه كثير من الإعلاميين المصريين إلى الردح والكذب وقلة الأدب، الجهد الذى بذله المحرران جهدا مميزا لكن الجهد الذى بذلته الجهات الرقابية والرسمية والتقارير التى أعدتها والتى تنذر بالخطر طوال السنوات الماضية كانت مميزة أيضا رغم أنها لم تجد آذانا صاغية من أحد وقد رصد التقرير 129 منشأة ومصنعا تصب مخلفاتها من الصرف الصناعى والمخلفات الكيماوية فى نهر النيل بما يصل إلى 477 مليون كليو متر من السموم، وأذكر أنى حينما قمت قبل سنوات برحلة إلى الأقصر وأسوان رصدت مئات العوامات وسفن الركاب التى تتحرك فى تلك المنطقة وحينما سألت عن مخلفاتها سواء من الزيوت أو مخلفات البشر وجدت أنها تلقى فى نهر النيل، وهذا يعنى أن أكثر من نصف مليون كيلو جرام من الزيوت تصب فى نهر النيل سنويا، أما المخلفات الأخرى فهى أكبر من أن تحصى، الأغرب من ذلك أن معظم القرى التى على النهر يصب أهلها مخلفاتهم ومجاريهم فى النهر أى أنهم يأكلون ويشربون من مخلفاتهم وهذا سلوك بشرى عجيب، فالنيل هو مصدر الزراعة وأحد أهم مصادر الأسماك وهذا يعنى أن كل الأسماك وكل المزروعات التى تروى بمياه النيل مسممة، وكثير من دول العالم لم تعد تسمح بقيام هذه المصانع على أرضها لأنها تلوث البيئة، أذكر حينما تولى رجب طيب أردوغان السلطة فى تركيا قبل عشر سنوات كان خليج القرن الذهبى فى اسطنبول من أكثر مجارى المياه تلوثا فى العالم، وكانت الرائحة النتنة تنبعث من كل أرجائه وكان مما تعهد به أردوغان للشعب التركى أنه سينظف خليج القرن الذهبى ويجعل الأتراك يأكلون منه الأسماك كما كانوا فى تاريخهم، حينئذ اعتبره كثير من الأتراك يهذى ويخرف لأن تنظيف هذا الخليج كان من المستحيلات بالنسبة لهم بسبب تراكم السموم والمخلفات وحتى المجارى به على مدار عقود، لكن أردوغان وفى بوعده وأصبحت مياه القرن الذهبى مثلها فى نظافتها مثل مياه بحر مرمرة، ويستطيع الزائر لتركيا أن يرى عشرات الأتراك وهم يقفون على الكبارى التى تقطع الخليج ويصطادون الأسماك البحرية وأن يشاهد عشرات من مطاعم الأسماك على ضفاف الخليج بعدما كانت مصدر الوباء والمرض، نريد من الرئيس مرسى أن يخرج على الشعب المصرى ويتعهد بتنظيف نهر النيل وأن يعود مصدرا للحياة بالنسبة للمصريين كما كان على مدار التاريخ وأن يتم إغلاق كل مصادر السموم التى تصب مخلفاتها فى النهر وأن تكون تشريعات تلويث النيل صارمة، كما نريد من محركى التظاهرات التى توقف جريان الحياة فى مصر أن يتوجهوا بتظاهراتهم إلى تلك المصانع التى تصب سمومها فى النيل لإغلاقها بدلا من هذه الهرطقة التى تخدم مصالح أعداء مصر ولا تخدم الشعب المصرى. 

Total
0
Shares
السابق

المبادرة المصرية للوقاية من الفساد (1)

التالي

المبادرة المصرية للوقاية من الفساد (2)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share