متحف العار في تركيا ؟!

«رن جرس المنزل كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، عندما فتحت الباب، وجدت رجلا حسبته من المشردين، فقد كانت ملابسه ممزقة، وعليه آثار تعذيب وأظافر يديه منزوعة، حليق الرأس والذقن.
لم أعرفه الا عندما قال لي انه هو، زوجي الذي قضى عشرين عاما من حياته بين السجون كان قد فقد نحو عشرين كيلوغراما من وزنه، وحينما أدخلته أخذ أطفالي يصرخون.. أمي، لا تـُدخلي هذا الشخص المخيف الى منزلنا».
كانت هذه شهادة «مولودة أتشار» أرملة نائب مفتي استنبول إبان الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين رئيس الأركان التركي في شهر سبتمبر من العام 1980، حيث قضى زوجها عشرين عاما من حياته بعد الانقلاب متنقلا بين السجون بعدما رفع العلمانيون عليه أكثر من ثلاثمائة دعوى قضائية بتهمة التحريض على النظام العلماني ومحاولة اسقاطه، ولعل هذه الشهادة التي أدلت بها الى الزميل عامر لافي مراسل «الجزيرة» في استنبول تعكس المعاناة التي عاشتها مئات الآلاف من الأسر التركية بعد هذا الانقلاب الغادر حيث اعتقل في أعقابه أكثر من 650 ألف شخص تعرضوا لشتى أنواع التعذيب، بينما حكم بالاعدام على ثلاثمائة شخص نفذ الحكم في خمسين منهم، وقتل 171 شخصا تحت التعذيب، وتوفي 144 في السجون ومات 14 جراء الاضراب عن الطعام، وانتحر 43 شخصا في السجون وقتل 16 شخصا خلال محاولتهم الهرب من جحيم السجون، وحوكم 230 ألف شخص بتهم سياسية تتمحور حول محاولة إسقاط النظام العلماني في تركيا، وأغلقت الصحف وطالب المدعي العام بأحكام ضد أربعمائة من الصحفيين المعارضين للانقلاب وصلت الى أربعة آلاف عام وصدرت بالفعل أحكام ضد 31 منهم وعطلت الصحف أكثر من ثلاثمائة يوم وأحرقت أعداد منها بعد صدورها، كما أسقطت الجنسية عن ثلاثين ألف تركي، وهجر خارج البلاد أكثر من ثلاثمائة ألف من خيرة العلماء والخبراء فروا الى دول أخرى أكثر أمانا وعاشت تركيا عشرية دموية مخيفة.
الآن بعد ثلاثة وثلاثين عاما على هذا الانقلاب الدموي أقامت بعض الجمعيات الأهلية لحقوق الانسان في تركيا متحفا متنقلا افتتح في استنبول وسيطوف على كبريات المدن التركية أطلقوا عليه اسم «متحف العار»، يذكر الأجيال المختلفة في تركيا بتلك الحقبة السوداء من تاريخها حتى يكون الشعب كله على وعي بما جرى ويحول دون تكراره في المستقبل ويحوي المتحف بعض متعلقات المعتقلين من ضحايا الانقلاب .

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الانتخابات القادمة .. وصناعة الرؤساء في الجزائر

التالي

أردوغان يعيد رسم خريطة تركيا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share