تمزيق نسيج المصريين

عرفت مصر على مدار تاريخها بالتناغم في النسيج الاجتماعي لأهلها ولم يحدث على الإطلاق أن تحارب المصريون أو تنازعوا نزاعات تفرق شملهم أو تقسم جمعهم، كما أن الطبيعة المصرية المسالمة لا تساعد مطلقا على النزاعات الداخلية أو الخلافات التي يمكن أن تقود لصراعات وانقسامات بالشكل الذي وقع في مصر بعد الانقلاب العسكري الذي قام به العسكر في الثالث من يوليو الماضي، وقد توجت احداث السادس من أكتوبر الحجم الهائل لتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب المصري الذي حققه انقلاب الثالث من يوليو الماضي في مصر.
ففي الوقت الذي كان فيه قطاع من المصريين يرقصون ويغنون في الاحتفالات التي أقامها الانقلابيون في ذكرى نصر السادس من أكتوبر كان آخرون يتعرضون لإطلاق الرصاص وقنابل الغاز في مدن مصر المختلفة، وقد وصل هذا الانقسام إلى العائلة الواحدة وربما بين المرأة وزوجها، وكذلك الأصدقاء والزملاء، ففي الوقت الذي كان فيه بعض أفراد الأسرة يخرجون للتظاهر دعما للانقلاب، كان آخرون يخرجون يهتفون ضد الانقلاب، وحينما طلب السيسي من الشعب أن يخرج حتى يمنحه التفويض لمحاربة «الإرهاب المحتمل» لم يكن يدرك كثيرون ممن خرجوا أن هذا التفويض سيؤدي إلى فقدانهم لكثير من أصدقائهم وأصحابهم وربما لبعض من أفراد عائلاتهم، وهذا ما حدث بالفعل حيث استخدم السيسي هذا التفويض الفوضوي ليقوم الجيش بمصاحبة الشرطة بإطلاق الرصاص على معارضي الانقلاب العزل الذين وصفوا بأنهم إرهابيون ونتج عن هذا قتل وجرح الآلاف منهم كما ملئت السجون بخيرة أبناء مصر وملئت المستشفيات بالجرحى وكلما وقعت مجزرة كانت التالية لها أسوأ منها حتى وقعت مذبحة رابعة العدوية والنهضة التي راح ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء الشعب مع تصفيق وتهليل جزء آخر منه وتشجيعه وتحريضه على مزيد من القتل،
وتشير التقديرات إلى أن عدد القتلى والجرحى جراء هذه المجازر تجاوز الثلاثين ألف قتيل وجريح وهو عدد هائل يفوق بكثير عدد الذين سقطوا في حرب أكتوبر من المصريين على أيدي الإسرائيليين مما يعني أن يقوم الجيش بتوجيه سلاحه إلى صدور أبناء الشعب في يوم ذكرى انتصار الجيش على إسرائيل معناه أن العقيدة القتالية للجيش المصري قد تم التلاعب بها وتغييرها فالجيوش دورها حماية الشعوب وليس قتلها، وحينما يقوم جيش بقتل شعبه فمعناه فساد العقيدة القتالية لهذا الجيش، وفساد قيادته، وقد وقفت في مذكرات الفريق سامي عنان رئيس الأركان المصري السابق عند حواره مع الأميركان حينما سئل في ذروة ثورة 25 يناير هل يمكن للجيش أن يوجه سلاحه إلى الشعب في ظل اعتصامات ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، فقال إن الجيش من المستحيل أن يوجه سلاحه إلى صدور الشعب الذي ينبغي أن يحميه، وقد كان غياب الفريق سامي عنان عن الاحتفالات التي أقامها السيسي في ذكرى نصر أكتوبر إشارة إلى أن ما نشره الفريق عنان من انتقاد لقيام القوات المسلحة بتوجيه سلاحها إلى صدور الشعب وقتل وجرح عشرات الآلاف منه لم يرض عنه السيسي.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الذين ينتحلون شخصيتي ويكتبون باسمي

التالي

مخطط تقسيم وتفتيت العراق

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share