الديمقراطية المحرمة على المنطقة

حينما احتل البريطانيون مصر في العام 1882 كان أول ما فعلوه هو تعطيل الدستور الذي كان مفخرة المصريين في ذلك و الذي شكل البداية لنشوء أول ديمقراطية وليدة في المنطقة، وظل المصريون يناضلون ما يقرب من ثلاثين عاما حتى وضعوا دستور العام 1923 الذي يعتبر مفخرة الدساتير في القرن العشرين، لكن البريطانيين ظلوا يتلاعبون بالنظام القائم، حتى دخل الاميركيون على الخط بعد الحرب العالمية الثانية واهتدوا الى طريقة أخرى غير طريقة البريطانيين وهي الانقلابات العسكرية.
وبالفعل دعموا أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949 بقيادة حسني الزعيم الذي لم يتوان في هذه المرحلة المبكرة أن يعلن استعداده للاعتراف بإسرائيل، وأدرك الاميركان الذين كانوا يرثون الامبراطورية البريطانية والامبراطوريات الاستعمارية القديمة الأخرى في المنطقة ان العسكر هم أفضل من يخدم أهدافهم في المنطقة وأولها هو ضمان عدم تحرر هذه المنطقة الغنية بالنفط والتي تقع في قلب العالم، وأن تبقى أسيرة الاستبداد، وبالفعل دعموا سلسلة من الانقلابات العسكرية التي ضمنت لهم رجالا يخدمون مصالحهم ويقمعون الشعوب، وفي عدة كتب كشف عملاء الاستخبارات المركزية الاميركية كيف لعبت الولايات المتحدة بأجهزتها الدور الرئيسي في صناعة ودعم هذه الانقلابات، وكان أول قرار يتخذ بعد كل انقلاب عسكري هو تعطيل الدستور ثم صناعة دستور على قياس الحاكم المستبد الجديد، ثم الدخول في دائرة تزوير قرارات الشعوب عبر الاستفتاءات والانتخابات المزيفة، ولم تعرف البشرية في تاريخها حكاما يحصلون في الانتخابات على نسبة الخمس تسعات إلا في بلادنا ومع ذلك كان الغرب يحتفي بهذه النتائج التي تخدم مصالحه وأقرب مثال على ذلك هو وفد الكونغرس الاميركي الذي زار القاهرة قبل يومين والتقى مع الفريق عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري وهنأه على نتيجة الاستفتاء المزيف الذي سخرت منه كل وسائل إعلام الدنيا وكل السياسيين لأنه أعاد مصر بعدما خطت الخطوات الأولى نحو الديمقراطية عبر خمسة استفتاءات وانتخابات نزيهة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى الوراء عشرات السنين. لم يتحرك عبد الفتاح السيسي بانقلابه إلا بعدما أخذ الضوء الاخضر من الاميركان والاوروبيين وكانت كل تصريحات الجميع لو رجعنا إليها طوال الستة أشهر الماضية ان لم تكن دعما مباشرا فهي طلب من المعارضين ان يرضخوا للأمر الواقع، لأن الرسالة التي يريد الغرب أن يوصلها بشكل واضح هي «لن نسمح لكم بالديمقراطية في بلادكم» لأن معنى قيام انظمة ديمقراطية في بلادنا اننا سوف نملك قرارنا وإرادتنا ومن ثم فإن مصالح الغرب ستصبح مرهونة بمصالحنا اولا وليس مصالحهم أولا كما هو الحال الآن ، لذلك فلا عجب أن نجد الكونغرس الاميركي يغير قوانينه وتشريعاته من أجل دعم الانقلابيين في مصر ولا عجب ان نجد وفدا من الكونغرس الاميركي يزور السيسي ليهنئه بنتيجة استفتاء يدرك العالم كله انه مزور، لذلك ينبغي علينا ان ندرك ان ديمقراطيتنا سوف ننتزعها بإرادتنا ولن تكون هبة من احد وسوف نجبر العالم على احترامها والإقرار بها لأن الدماء التي سالت والأوراح التي أزهقت والسجون المليئة بالاحرار والشوارع المليئة بالثوار ليست من أجل أن يمنحنا الغرب الديمقراطية ولكن من أجل أن نفرضها على الجميع.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
أحمد المستيري

أحمد المستيري ج 8: انقلاب زين العابدين بن علي على بورقيبة.. والمؤامرة على الثورة التونسية

التالي

احتراف الهبل الإعلامي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share