احتراف الهبل الإعلامي

لعلي لا أفشي سرا اذا قلت أني من أقل الناس مشاهدة للتليفزيون رغم أني أعمل فيه وأوصف بأني أحد نجومه، والسبب يعود الى شغفي بالقراءة ومصادر المعرفة العميقة أكثر من المعرفة التليفزيونية علاوة على القيام بأعمالي وواجباتي الكثيرة.
كما أني جئت الى التليفزيون من الصحافة المكتوبة التي تقوم على عمق الكلمة وليس سطحية الصورة، لكني في بعض الأحيان أصاب بالإرهاق أو الملل أو الرغبة في المعلومات المسطحة فأجلس أمام التليفزيون أتابع بعض ما فيه،
أو أزيل كاتم الصوت الذي أضعه دائما على جهاز التليفزيون في مكتبي وأقلب بعض القنوات أشاهد بعض البرامج، وليلة البارحة جاءني هذا الخاطر أن أقلب في بعض الفضائيات لأتابع بعض ما فيها، وقادني «الريموت» الى بعض القنوات المصرية التي يتصدر شاشتها نجوم الانقلاب الاعلاميين، فوجدت حالة الاستهبال والاستعباط التي كانوا يعيشونها تحولت الى حالة هبل وعبط حقيقي، تماما مثل الذي يتمارض فيمرض وتعجبت كيف وصلت هذه الكائنات الى هذا المستوى الذي يتجاوز حدود الأخلاق الدنيا الى انعدام الانسانية وتجاوز حدود الآدمية، أداء لا يرقى الى التسطيح والسذاجة وانما الى الهبل وتجاوز حدود العقل.
وأعتقد جازما أنهم لم يطلب منهم ذلك، ولكنهم اندمجوا في أدائهم وتنافسوا في هبلهم وتخبطوا في أفكارهم فوصلوا الى هذا الدرك الأسفل من الأداء الذي أوصلهم الى مرحلة الجنون الحقيقي والهبل الرسمي ، ما يميز هذه المرحلة هو أن كل شيء يقدم على شاشات التلفزة أصبح أرشيفا اليكترونيا مدى الحياة يمكن لأي شخص يستدعيه في أي وقت، ولا يستطيع أحد أن يتنصل مما قاله أو يدعي أنه كان مجبرا عليه أو يؤديه برغبة واستمتاع، فهم يؤدون باندماج كامل وتناغم منقطع النظير، ولاشك أن لهم جمهورهم الذي يشبههم فالله خلق الناس بتفاوت في عقولها ووعيها وتقييمها لما تتلقى، وهؤلاء وأمثالهم حينما يصيبهم الجنون ويسيطر عليهم الهبل يعتبرون أن من يتبعهم هم العقلاء وكل من يعرض عنهم هو المجنون الذي لا يعي ولا يعقل وهذا منطق السفهاء القديم الذي كانوا يصفون به حتى الرسل والأنبياء وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث وصفوه بالجنون والسحر ولأن أهل الحق والعقلاء على مدار الزمان قلة وأهل الأهواء هم الكثرة فليس من عجب أن نجد أن كثرة تتبع هؤلاء تصفق لهم وتنتظر برامجهم بل وتتأثر بهم وبما يقدمون وتعتبرهم النجوم التي يهتدي بها الضالون في ظلمات البحار، ويتفاوت أداء هؤلاء النجوم من الردح والشتائم بألفاظ نابية جارحة الى التسول الرسمي وممارسة الابتزاز على شاشات التلفزة. كل الأمم تمر بمراحل انحطاط وتراجع كما تمر بمراحل ازدهار وتقدم، وأعتقد أن مصر تمر بمرحلة ذروة الانحطاط الأعلامي بعدما كانت قبلة المتعلمين في كل المجالات في العالم العربي أوصلها العسكر الى الدرك الأسفل، لكن مصر كانت على مر الزمان منارة، وسوف تعود منارة على أيدي آخرين.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الديمقراطية المحرمة على المنطقة

التالي

ألغام بول بريمر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share