العرب يهربون من الواقع إلى عالم الرواية

نشر المقال فى 4 ديسمبر 2016

أتابع حركة النشر من خلال معارض الكتب فضلا عن التواصل المباشر مع الناشرين وزياراتي الدائمة لهم منذ سنوات طويلة، ومازلت أذكر أول زيارة لي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب حينما كان مكانه موقع دار الأوبرا الحالية في القاهرة، وكنت في الثالثة عشرة من عمري حينما زرته أول مرة وكل ما كان معي كان عشرة جنيهات وكان أغلى كتاب اشتريته آنذاك وحي القلم للرافعي بأجزائه الثلاثة طبعة دار الكتاب العربي الأنيقة التي نشرت كتابي «معركة الفلوجة» وكان ثمنه ثلاثة جنيهات حيث التهم ثلث ميزانيتي وكان ومازال من أحب الكتب إلى نفسي حيث كان لأسلوب مصطفى صادق الرافعي المميز والعميق والمتفرد دور هام في تشكيل حصيلتي اللغوية، وتحديد نوعية الكتب ومستوى المؤلفين الذين أقرأ لهم بعد ذلك.
لم أتوقف بعدها عن زيارة المعرض بعد ذلك بل أصبحت معارض الكتب من بيروت إلى الدار البيضاء مسرحا لزياراتي لها كلما واتتني الفرصة، ولكثرة الناشرين فقد أصبحت زياراتي للمعارض لناشرين محددين أتعرف علي الجديد عندهم لأقتنيه من كتب السياسة والمذكرات والتراجم والتاريخ.
فكتب السياسة والتاريخ والتراجم والسير الذاتية تعكس تجارب الحياة وأسرارالحكم وكواليس السياسة ولأن كثيرا من الكتب كانت تمثل مراجع عمل بالنسبة لي لاسيما لبرنامج شاهد على العصر الذي جعلني أغوص في أعماق التاريخ العربي الحديث لاسيما مذكرات السياسيين فقد كنت في بعض الأحيان أقضي عاما كاملا أجمع المراجع والكتب من الناشرين من دول مختلفة من أجل التحضير لشاهد ما على العصر، وقد لاحظت في السنوات التي سبقت الربيع العربي وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تنافس الناشرين العرب في نشر الكتب السياسية المترجمة والسير الذاتية والمذكرات لكبار السياسيين الغربيين والعرب في طبعات أنيقة وترجمة رصينية في كثير من الأحيان وإن كان بعضهم قد انشغل بالكم على حساب الكيف فوزع الكتاب على عدة مترجمين غير محترفين مما أدى إلى منشورات مفككة سرعان ما يكتشفها الإنسان من أسلوب الترجمة، وأعتقد أن حركة النشر هذه ساعدت بشكل أو بآخر – رغم أن العرب لا يقرؤون- في زيادة مساحة الوعي والمعرفة عند من يقرأ، وكان يفترض بعد الربيع العربي والحراك الذي يغمر العالم العربي أن يزداد الاهتمام بمثل هذه النوعية من الكتب لكن المفاجأة كانت غير ذلك على الإطلاق فمنذ ثلاث سنوات أو أكثر لاحظت أن كل الناشرين بمن فيهم الناشرون الذين كانوا لا ينشرون إلا الكتب السياسية قد اتجهوا لنشر الروايات، ولما بدأت التحقق من الأمر وجدت أن الإجابة واحدة هذا ما يريده الجمهور العربي الآن، فطرحت على نفسي سؤالا جديرا بالاهتمام وأطرحه على كل من يشاركون في زيادة مساحة الوعي عند الناس: أليس كارثة أن العرب يهربون من واقعهم ولا يقرؤون لاسيما في هذه المحنة العظيمة التي تعيشها الأمة وإذا قرأوا يهربون من الواقع إلى الروايات التي تجعلهم يعيشون في خيال بعيدا عن هذا الواقع المؤلم؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

السيسي يتحول إلى مجرم حرب دولي

التالي
جوني عبده

جوني عبده ج5 : لم أتورط بالحرب الأهلية و تأسيس استخبارات الكتائب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share