بقلم : أحمد منصور
لازلت أذكر دموعي وهي تنساب دونما توقف حينما كنت أقوم بتحضير حلقات شاهد علي العصر مع كل الشهود المغاربة أحمد المرزوقي، وصالح حشاد، وعبد الهادي بوطالب، حيث كنت أقرأ كتاب ” صديقنا الملك ” الذي كتبه الأديب والكاتب الفرنسي جيل بيرو في كل مرة، وأنا أعتبر هذا الكتاب من أروع السير الذاتية التي لم تُدون حياة الحسن الثاني فحسب، بل رسمتها بريشة فنان مبدع وروائي جسور يمتطي صهوة الكلمة ويمسك ناصية القلم بثقة واقتدار .
كان أسلوب جيل بيرو الفريد في تصوير المشاهد والأحداث يجعلني أعيش فيها. أشعر بسياط الجنود الفجرة وهي تلهب ظهور المظلومين، وتؤلمني جراح الضحايا ومشاعر المحرومين، وجراحات طرائد الطغيان
جيل بيرو
كان أسلوب جيل بيرو الفريد في تصوير المشاهد والأحداث يجعلني أعيش فيها. أشعر بسياط الجنود الفجرة وهي تلهب ظهور المظلومين، وتؤلمني جراح الضحايا ومشاعر المحرومين، وجراحات طرائد الطغيان .
وعلي قدر ما قرأت من سير ذاتية لكن بقيت صياغات جيل بيرو اللغوية وتصويره الفني لطغيان الحسن الثاني وجبروته وحقده وساديته، من أروع ما قرأت في وصف الطغاة، ولم ينزعج الحسن الثاني في حياته قدر انزعاجه مما كتبه جيل بيرو، حيث طبع كتابه ونشر في فرنسا عام ١٩٩٠، لكنه تخطي فرنسا إلى أوروبا، ووزع منه في أوروبا حوالي مليوني نسخة، واعتُبر في حينه من أكثر الكتب مبيعاً وتوزيعاً وانتشاراً .
بقيت صياغات جيل بيرو اللغوية وتصويره الفني لطغيان الحسن الثاني وجبروته وحقده وساديته من أروع ما قرأت في وصف الطغاة
الحسن الثاني
جن جنون الحسن الثاني وحاول جمع الكتاب من المكتبات حينما طرح في الأسواق، فقد كان تشريحاً موثقاً لشخصية الحسن الثاني من الناحية النفسية والشخصية والتاريخية وسجلاً لجرائمه، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها توثيق أحداث تتعلق بالتعذيب في المغرب ومحاولة انقلاب الصخيرات علي الحسن الثاني عام ١٩٧١ ثم محاولة انقلاب أوفقير في العام التالي ١٩٧٢ .
ترجم الكتاب ونُشر بالعربية بعد ذلك لكنه بقي محرماً وممنوعاً من التداول مثل الطبعة الفرنسية، لكن بعد وفاة الحسن الثاني، أصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً في المغرب نفسها حيث اطلع الشعب المغربي علي دهاليز وخفايا المخزن والملك، ثم سُمح بعشرات الكتب الأخري التي كتبها معارضون للحسن الثاني أو معتقلين خرجوا من سجن تازمامارت أو حتى زوجة أوفقير أو أولاده، مصاغة بأساليب أدبية من قبل صحفيين وكتاباً محترفين.
صديقنا الملك
لكن رغم كل هذا كان كتاب جيل بيرو ومازال بالنسبة لي أيقونة المراجع، تذكرت هذا الكتاب الأنيق وكاتبه المبدع حينما قرأت أن جيل بيرو قد رحل قبل أيام عن ٩٢ عاما، فتذكرت دموعي التي ذرفتها وأنا أعيش بين دفتي كتابه ” صديقنا الملك ” .
