يكشف شفيق الحوت، أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية وممثلها في لبنان ذكريات خروجه الأليم من يافا إلى بيروت بعد هزيمة العام 1948، وأهداف الاستعمار الأوربي من تأسيس دولة لليهود في فلسطين، ووجود نوايا عربية لتكريس الهزيمة وسقوط القدس.
نص حوار شفيق الحوت عن تهجير الفلسطينيين على يد الاسرائيليين عام 1948
أحمد منصور: خروجك مع بعض عائلتك من يافا كان في الرابع والعشرين من أبريل عام 1948 على ظهر سفينة..
شفيق الحوت: يونانية..
أحمد منصور: يونانية متجهة إلى بيروت، لم تر يافا بعد هذا التاريخ، ما الذي تبقى منها في زوايا نفسك؟
شفيق الحوت: تبقى كثير.. كثير، ربما.. ربما يافا التي في نفسي تفوق في حدتها وألوانها يافا لو عشتها حتى هذا اليوم.
أحمد منصور: يا سلام!
تهجير الفلسطينيين
شفيق الحوت: بمعنى.. بمعنى.. لقد عشت الآن في بيروت أكثر مما عشت في مدينة يافا من العمر، ولكن قد تسألني عن بعض ملامح بيروت وشوارع بيروت، فتخون.. فتخونني الذاكرة في سرد ما تتوقعه مني، ولكن عندما تسألني الآن عن يافا -يافا التي كانت على الأقل- فأكاد أذكر كل مفرق ومفصل وزاوية من زوايا هذه المدينة، فيافا على البال باستمرار بتفاصيلها كما كانت، وإن كانت الآن قد تغيرت ملامحها كما علمت، وأُبيد الحي الذي ولدت فيه، ولم يبق سوى جامع حسن بك، يسمى جامع حسن بك نسبة إلى حسن بك الجابي، آخر حكام يافا في العهد التركي، وقد بنى هذا المسجد -رحمه الله- وبقي هذا المسجد متحدياً الاحتلال وتهويد يافا وإلحاقها بتل أبيب حتى أيامنا هذه.
أحمد منصور: وصلت إلى بيروت في إبريل.. 24 إبريل 1948، وبلغ عدد الفلسطينيين الذين هاجروا إلى لبنان حتى العام 49 حوالي 130 ألف فلسطيني، كنت وعائلتك أحد هؤلاء، عدد الذين هاجروا إلى سوريا بلغ حوالي مائة ألف، مصر 7 آلاف، وطبعاً كان هناك قطاع غزة كان يتبع مصر ذلك الوقت.
شفيق الحوت: نعم.
أحمد منصور: الأردن تقريباً حوالي 850 ألف فلسطيني، كيف كانت بيروت حينما وصلت إليها؟
شفيق الحوت: بيروت طبعاً لم تكن غريبة عني بيروت، ولكن ذلك اليوم وأظنه كان يوم جمعة عندما رست بنا الباخرة على ميناء بيروت، وكان استقبال بحارة هذا الميناء اللبناني المشهور استقبالاً حافلاً مليئاً بالعاطفة الجياشة والدموع والصراخ والشتم في الاستعمار والصهيونية على الطريقة اللبنانية التي لم تكن مألوفة لدينا في فلسطين، كانوا فعلاً يعني كانت مظاهرة قومية تعبر عن عميق مشاعر شعب لبنان تجاه ما جرى في فلسطين.
إقامة الكيان الصهيوني
أحمد منصور: في 14 مايو 1948 انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين، واحتلت القوات الإسرائيلية أو اليهودية في ذلك الوقت الأماكن التي كانت تخضع للانتداب البريطاني، وقامت إسرائيل على أنقاض دولة فلسطين، وبدأت مرحلة أخرى من مراحل التاريخ الحديث في المنطقة، ما هو تقييمك لما حدث في العام 1948؟
شفيق الحوت: ما حدث في سنة 1948، أي إقامة الكيان الصهيوني كان ما فيه شك نقطة مفترق في تاريخ الأمة العربية، ليس شعب فلسطين وحده، لأن إقامة هذا الكيان جاء تجسيداً لخطة مشتركة بين الحركة الصهيونية وبين الاستعمار الأوروبي، يعني بعد انحسار الدولة العثمانية.. الخلافة الإسلامية العثمانية ورث الأوروبيون -الاستعمار الأوروبي- هذه المناطق التي كانت ملحقة بالإمبراطورية العثمانية، وكان الاستعمار من.. من موقع التفوق في ذلك الحين المبصر صاحب الرؤى المستقبلية، كان يرى النفط منذ ذلك الحين، وكان يرى معنى قيام دولة عربية واحدة، بأن ذلك يعني إذا قامت دولة عربية كما تمنى الشريف حسين في بلاد الشام، وشاءت الأقدار أن تضم فيما بعد مصر وجزء من المغرب العربي بالإضافة إلى الجزيرة العربية، فهذا يعني قيام دولة تسيطر على جنوب شط البحر الأبيض المتوسط بكامله حتى مضيق جبل طارق، وكانت فكرة إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، يعني كان هنالك أكثر من مقترح في الماضي لإقامة هذه الدولة خارج فلسطين.
أحمد منصور: أوغندا..
شفيق الحوت: في أوغندا والأرجنتين وغيرها من الأماكن، لكن إقامتها في فلسطين لبَّت حاجتين لليهود، أولاً: حاجة دينية، أنها كانت ذات يوم حكموا في هذه الأرض، وأن موقعها الجغرافي يفصل جناحي الوطن العربي الكبير عن بعضهما البعض، والثالث الذي لم نقدره وعشناه أن قيام هذا الكيان خلق لهذه الأمة تحدياً جديداً قضينا العمر، قضينا القرن العشرين ونحن الآن بدأنا القرن الواحد والعشرين وكل مواردنا وخيراتنا وخططنا مستنزفة ومستهلكة في عملية الصراع ضد العدو الصهيوني.
أحمد منصور: لكن حتى لا نحمل الاستعمار دائماً أو نجعله شماعة لما حدث من أخطاء تاريخية، الاستعمار أو الدول الاستعمارية من حقها أن تخطط، وأميركا الآن تخطط للعالم كله، وتريد أن تستوعبه، وهذا حقها..
شفيق الحوت: صحيح.. لأ، ليس حقها..
أحمد منصور: لكن هذا..
شفيق الحوت[مقاطعاً]: هذا.. هذا واقع، ليس حق.
أحمد منصور[مقاطعاً]: واقع بتفرضها يعني..
شفيق الحوت[مقاطعاً]: يعني كقيمة ليس حقاً طبعاً.
أحمد منصور: من حق أي قوة أن تسعى للهيمنة على الآخر، لكن هي النقطة الآن كيف يقبل الآخر بهذه الهيمنة ويخضع لها؟ أنا لا أستطيع أن أمنع الآخر أن يخطط ويفكر.
شفيق الحوت: صحيح.. صحيح.
أحمد منصور: لكن أستطيع أن أواجهه ولا أخضع له.
شفيق الحوت: صحيح.
أحمد منصور: هنا حدثت عملية خضوع و عملية استسلام عربي ساعدت على الوضع الذي آلت إليه الأمة.
شفيق الحوت: يا سيدي، يعني ما تقوله الآن ببساطة أنت، أنا أجد الجواب عليه صعب، الحقيقة في التقييم -أخ أحمد- لنضال الأمة العربية في هذا القرن الماضي من بدايته حتى يومنا هذا، يعني القضية موضع خلاف، طبعاً النتائج الحالية هي هزيمة واضحة يعني خصوصاً في هذه الأيام المؤلمة، لكن هل صحيح أن الأمة العربية.. ولا أتكلم عن الحكام العرب…
أحمد منصور[مقاطعاً]: إنما إحنا هنا لازم نفصل.
شفيق الحوت[مقاطعاً]: آه، لكن..
أحمد منصور[مقاطعاً]: لسبب، لأن في حرب العام 48 وتوابعها، وهي كما أطلقوا عليها النكبة، الشعوب العربية كان موقفها مختلف تماماً عن موقف الحكام، المتطوعين العرب الذين سعوا للقتال في فلسطين، وأنت قلت إن المسلمين جاءوا من يوغسلافيا للدفاع عن فلسطين.
شفيق الحوت: صحيح.. صحيح.
أحمد منصور: موقف الشعوب مختلف تماماً عن موقف الحكام، هذا الجيش الذي أسسوه جيش الإنقاذ وتشكيلته وما عُرف بعد ذلك من أشياء كثيرة حوالين إن الملك عبد الله كان مسؤول عنه، وكيف فكك؟ وكيف؟ كل هذه الألاعيب، وما ذكرته أنت في الحلقة الماضية عما دار في الأشياء السرية لاجتماعات الجامعة العربية يجعلنا نفصل ما بين حاجتين الأمة كأمة، كشعب، كأفراد سعت بكل مقوماتها للدفاع عن هويتها والحفاظ عليها، لكن أمة بدون رأس وبدون قيادة لا يمكن أن تستطيع أن تفعل شيء، فإحنا هنا أنا حينما أتكلم هنا لا أقصد الشعوب، لأن الشعوب إلى اليوم حينما تُدعى تُلبي، لكن هي القضية الآن في الحكومات، لأن الشعوب بدون حكومات لا تستطيع أن تواجه.
شفيق الحوت: هذا صحيح.. هذا صحيح، يعني أنت أجبت الحقيقة على السؤال بشكل آخر، الأمة لا تلام، الأمة أنا في قناعتي حاولت جهدها ضمن قدراتها، يعني لا تملك الشعوب عُصي سحرية لتغيير الأوضاع، وزي ما تفضلت إنه في النهاية الجماهير بحاجة إلى قيادات لكي تخوض نضالها وتحقق النصر.
أحمد منصور: أنا لو بقيت في إطار 48 في تقييم أداء الحكومات العربية تحديداً بالنسبة لهذا الأمر، لو أُقيم جيش فعلاً قوي للدفاع عن فلسطين، لو الحكومات العربية اهتمت، الحكومات العربية كان واضح إنها ماعندهاش أي اهتمام بالقضية الفلسطينية بالشكل الذي كان يجب أن تكون عليه، وأنت كما قلت لم تكونوا تتوقعوا كفلسطينيين أن هذه القلة اليهودية يمكن أن تستولي وتقيم دولة يهودية على أرض فلسطين، أنا أقصد هنا تقييم أداء الحكومات العربية، وما آل إليه الوضع إلى اليوم؟
شفيق الحوت: شوف يعني لم يختلف الوضع كثيراً للأسف من 48 لـ 2001.
أحمد منصور[مقاطعاً]: كأداء حكومات.
شفيق الحوت[مستأنفاً]: كأداء حكومات، أولاً: فيه كذب، يعني دائماً هنالك لغتين لدى الخطاب العربي المشترك، خطاب إعلامي نادراً ما ينفذ، يعني الدفاع المشترك مثلاً فيه.. فيه قضية الدفاع المشترك لم يمارس، عمره ما مورس الدفاع المشترك، في الـ 48 أكثر من ذلك يا أخ أحمد كانت يعني.. كان هنالك أنا لا أريد يعني أريد لهذا البرنامج أن.. أن ينشر في جميع أنحاء الوطن العربي، ولا أريد أن أستعمل ألفاظ تبدو يعني نوع من التهم العشوائية، ولكن من يقرأ الآن.. الكتب موجودة، والاعترافات موجودة، أن هنالك من ساهم في التخطيط لهذه الهزيمة التي شهدناها سنة 1948، مثل القدس، القدس كان يمكن الدفاع عنها لم يحدث، يعني هنالك من.. من.. كتب صدرت بحثت في تفاصيل المعارك التي جرت في فلسطين، فكان من الواضح أنها كانت كلها تسعى ضمن إطار حدود التقسيم، بل.. بل هنالك من تساهل، وأعطى إسرائيل تنازلات أكثر مما أعطاها قرار الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين، هذا واحد.
2: الدول العربية لأنه انطلقت في الدفاع -بين هلالين- عن قضية فلسطين من مواقع التجزئة مش من مواقع وحدة، يعني كانت مطامح الملك عبد الله تختلف عن مطامح الملك فاروق، تختلف عن السياسة اللبنانية عن السياسة السورية، يعني كان هنالك اجتهادات وأهداف تختلف من قُطرٍ إلى قُطر..
أحمد منصور[مقاطعاً]: وكانت عدم الثقة قائمة بينهم، كما هي موجودة الآن.
شفيق الحوت[مقاطعاً]: وعدم الثقة.. طبعاً.. طبعاً.
أحمد منصور[مقاطعاً]: وكان أيضاً عدم الاهتمام بالقضية الفلسطينية بالشكل اللي موجود. في.. في أعقاب العام 48 المنطقة أو دول المنطقة هذه التي تسمى دول المواجهة حدثت فيها تغيرات كثيرة للغاية، يعني في مارس 49 سقطت الحكومة السورية المنتخبة، وجاء حسني الزعيم في أول انقلاب عسكري، وحسني الزعيم مباشرة عرض على الإسرائيليين صلح في تلك الفترة غير أن الانقلاب الذي جاء بعده في نهاية العام قضى على هذا الحلم، حلم العلاقة الأولى مع الإسرائيليين في ذلك الوقت المبكر، الأردن مثلاً تم إفشال خطة لإسقاط النظام فيها أعدها عبد الله التل في سنة 49، الملك عبد الله أغتيل في يوليو 51، والملك حسين جاء اعتلى العرش في 53، الملك حسين نفسه تعرض لمحاولة اغتيال في 57، لو جينا للبنان نلاقي إن فيه محاولة انقلاب في 49، اغتيل رياض الصلح سنة 51 وأُجبر بشارة الخوري على الاستقالة في سبتمبر 52، العراق -على سبيل المثال- قام فيه انقلاب أطاح بالنظام الملكي في سنة 58، مصر.. الحكومة المصرية في الفترة من 48 إلى 52 انقلاب يوليو حدث فيها تسع حكومات متعاقبة.
شفيق الحوت: أي نعم.
أحمد منصور: جاءت في خلال أربع سنوات، إلى مصر حتى وقعت ثورة أو انقلاب يوليو في 52، التغيرات اللي شهدتها هذه الدول المجاورة أو الدول المواجهة في أعقاب سنة 48، ألم تهيئ لاستقرار إسرائيل؟
شفيق الحوت: أولاً: إن ما جرى كان أمراً طبيعياً، يعني كان لابد لهذا الحدث الاستراتيجي الذي تم إنجازه وهو قيام دولة إسرائيل، أن يترك تداعياته وآثاره على الدول العربية وبشكل خاص دول الطوق، وهذا الأمر يعني ازداد خطورة مع الأيام، حتى أصبح الأمن الوطني لهذه الدول مهدد من قِبَل الوجود الإسرائيلي، للأسف أن العرب -في قناعتي- لم… الحكام يعني، لم يستوعبوا بالعمق الكافي معنى قيام هذا الكيان، لو أدركوا -كما يدرك بعضهم اليوم وإن كان ربما فات الأوان- أن هنالك يعني تخطيط جاد ووراءه ناس قادرين على التنفيذ، ولهم تحالفات مع دول كبرى، مهتمة في مصير هذا الوطن العربي، وموارده الطبيعية، لربما.. لربما اتخذوا مواقف أخرى.
فهرس موضوع الحوار
(00:00) ألم الخروج من يافا .
(3:27) نهاية الانتداب البريطاني وإقامة الكيان الصهيوني، بخطة صهيونية أوربية.
(5:29) حق القوى فى الهيمنة.
(6:52) موقف الشعوب العربية من نكبة 1948 .
(7:41) الشعوب حينما تدعى تلبي .
(9:43) من ساهم في التخطيط لتكريس الهزيمة وسقوط القدس؟
(10:49) سقوط الحكومات العربية بعد 1948.