في حوارهما في برنامج شاهد على العصر، يستعرض أحمد منصور مع اللواء أح .جمال حماد – كاتب البيان الأول للثورة الذي قرأه الرئيس السادات عبر أثير الإذاعة – كيف استولى العسكر على السلطة في مصر? و نشأة السلطوية وتكريسها، بعد أن وجد ضباط عاديون -يفتقدون للوجاهة الاجتماعية- أنفسهم يحكمون مصر فجأة، وكذلك فضائح ضباط القيادة بدءا من السيطرة على القصور وأملاك العائلة الحاكمة وحتى الزواج من بناتهم بالقوة.
الانحراف عن بوصلة المبادئ بدأ مبكراً، بالصراع بين قيادات الضباط الأحرار فور التخلص من الملك، وبدا أن جمال عبد الناصر -الذي استولى على التنظيم الذي أنشأه الصاغ محمود لبيب و الإخوان المسلمين بين عامي 1943 و1948- بدأ يخطط للانفراد بحكم مصر، رغم دور محمد نجيب الرئيسي في نجاح الثورة.
وأكد حماد أن عبد الناصر كان غير معروف لا للشعب المصري ولا للضباط بدليل اعتقاله في الكوربة ليلة 23 يوليو.
وتحدث عن البدء بتسريح أكثر من 800 من كبار الضباط، والتخلص من الضباط المشاركين بالثورة، وأبرزهم: يوسف صديق، وأحمد شوقي الذي جرى سجنه، ثم تسريح ضباط المدفعية، بعد أن طالبوا بعودة الجيش إلى ثكناته، والديمقراطية.
وفي ذكراها الـ 72 لم تنجح ثورة ٢٣ يوليو في ذكراها الـ 72 في تحقيق أي من المبادئ التي قامت من أجلها، وانتهت باحتكار مطلق للسلطة وتعميق الديكتاتورية، والتوجه الرأسمالي والعسكري الجشع، والاستسلام لإسرائيل، والانعزال عن قضايا الأمة العربية، والتبعية بالكلية للسياسات الأميركية.
نص حوار جمال حماد عن : كيف استولى العسكر على السلطة في مصر؟
أحمد منصور: تغير كل شيء في مصر، سيق قادة الجيش والوجهاء والسياسيون إلى معتقلات الضباط الأحرار، تمت تصفية كافة قيادات الجيش ولم يعد هناك من يحمل رتبة أعلى من رتبة مقدم إلا قليلا من الضباط، محمد نجيب يقول إنه تم تسريح ثمانمائة ضابط خلال هذه الفترة بينما يقول أحمد حمروش في كتابه إن هناك خمسمائة ضابط تم تسريحهم خلال الشهور الثلاثة الأولى من الثورة. كنت أنت مديرا لمكتب محمد نجيب قائد الثورة من اليوم الأول، كيف بدأ الصراع بين الضباط؟
جمال حماد: لم يظهر هذا الصراع إلا بعد بضعة أيام وبعد خروج الملك لأنه قبل كده ما كانش في مجال للصراع..
أحمد منصور (مقاطعا): الملك خرج يوم 26 يوليو.
جمال حماد: 26 يوليو وعاد محمد نجيب يوم 27 يوليو..
أحمد منصور (مقاطعا): من الإسكندرية إلى القاهرة.
جمال حماد: من الإسكندرية إلى القاهرة وكل الضباط الذين اشتركوا في الثورة عادوا إلى القاهرة فلم يظهر الصراع مكشوفا في بادئ الأمر إنما كان شيئا أنا لاحظته بنفسي وكثيرون لم يلاحظوه ولكن أنا لاحظته باعتبار أن جميع الأوراق التي تصدر من القائد العام لا بد أن تمر علي وأنا أوقعها قبل أن أعرضها على اللواء محمد نجيب، فهنا ظهر أولا بعض التنافس بين أعضاء القيادة.
استيلاء العسكر على السلطة
أحمد منصور (مقاطعا): ما هي أشكال هذا التنافس؟
جمال حماد: أن ده عاوز يجيب واحد يوديه في مكان معين وده عاوز يودي واحد في وظيفة كبيرة معينة، فكل منهم يحب أن يضع رجاله في أماكن مهمة..
أحمد منصور (مقاطعا): أضرب لنا أمثلة لو تذكر؟
جمال حماد: يعني مثلا عبد اللطيف بغدادي أصر على أن يضع وجيه أباظة الطيار والذي اشترك في الثورة أن يكون مدير الشؤون العامة للقوات المسلحة..
أحمد منصور: كلها.
جمال حماد: كلها، وخلافهم يعني مثلا جمال عبد الناصر جاب لي ورقة فيها بعض أسماء ضباط ما كانوش يعني مهمين ولا حاجة..
أحمد منصور (مقاطعا): زي مين؟
جمال حماد: واحد اسمه مش عارف، عبد العال السيد، ده ضابط عادي خالص يعني إنما أنا فهمت أن هذا الضابط من الصعيد وجايز يكون يمت إليه يا إما بصلة قرابة يا إما بمعرفة فهم يعني لقيت أنه بعد كل شوية الأوراق تجيني تحمل معنى أنه في نوع من التنافس بين..
أحمد منصور (مقاطعا): يعني خلاص البلد وقعت في أيديهم وبقيت غنيمة كل واحد يريد أن يحظى منها بشيء.
جمال حماد: هو في الواقع أخي أحمد أنهم كانوا ضباطا عاديين، منذ أربعة أيام أو خمسة أيام كانوا ضباطا عاديين لا قيمة لهم من الناحية الاجتماعية أو العسكرية لأنهم ضباط عاديون خالص..
أحمد منصور (مقاطعا): وبعدين؟
جمال حماد: وجدوا أنفسهم هم مكان الملك وعندهم السيادة على مصر كلها وطبعا ده حصل لهم نوع من أنواع عدم الثبات والاتزان لأنه واحد ما كانش في يده حاجة أبدا بص لاقى أن الكلمة بتاعته أصبحت قانونا فطبعا حصل لهم نوع من أنواع حب بقى البقاء في هذا المكان بحيث أنهم من الصعب جدا أنك أنت تقول له بقى روح الثكنات ثاني.
رفض الضباط الأحرار العودة إلى الثكنات
أحمد منصور: وهنا بدأ الصراع راح حول العودة إلى الثكنات؟
جمال حماد: أيوه، ما حدش عاوز يقود الثكنات، أولا الناس قالوا إيه؟ الجيش ما عادش إلى ثكناته بعد الثورة، أنا أقول لك الجيش كله عاد إلى ثكناته..
أحمد منصور: فعلا؟
جمال حماد: أيوه، الضباط والجنود والوحدات كلها عادت إلى ثكناتها.
أحمد منصور: أمال مين اللي ما رجعش؟
جمال حماد: المجموعة التي قادت الثورة هي التي بقيت في مركز القيادة في كوبري القبة علشان تدير شؤون مصر كلها لكن الجيش كله كان في الثكنات.
أحمد منصور: مين اللي كان بيقود من بين هؤلاء الدعوة للعودة إلى الثكنات؟
جمال حماد: اللي كان رجلا بسيطا وليس عنده النزعة الفرعونية أو التسلطية، ناس يعني زي مثل المقدم يوسف صديق..
أحمد منصور (مقاطعا): هذا الذي قام حقيقة في الثورة؟
جمال حماد: أيوه، اللي هو بطل الاستيلاء على رئاسة الجيش، ده بقى كان رجلا بسيطا رغم أنه هو أخذ منصب قائد اللواء السابع..
أحمد منصور: اللواء السابع ده اللي سيادتك حركته.
جمال حماد: السابع اللي أنا رحت له وضميته، فهو بقى قائد اللواء السابع، وعبد المنعم أمين برضه كان رجلا متواضعا وما عندهوش النزعة التسلطية اللي أنا لاحظتها عند غيره، فيعني..
أحمد منصور (مقاطعا): ومحمد نجيب؟
جمال حماد: ده التواضع بذاته، محمد نجيب يعني ما فيش مرة شفت محمد نجيب بيظن في نفسه أنه حاجة غير عادية، رجل بسيط جدا وبيتكلم ببساطة وعنده قلب حنون جدا على الناس ويعني ما كانش بيرحب أنه نعمل مثلا مجزرة ونطلع مثلا ألف ضابط ولا حاجة..
أحمد منصور (مقاطعا): أليس ما حدث من إقالة أكثر من ثمانمائة ضابط كما قال محمد نجيب إذا بقيت عند كلامه هو، أليس هذا جريمة في حق مصر وحق الجيش المصري وحق شعب مصر أن يتم تسريح كبار القيادات والخبرات الموجودة في الجيش لأنهم لا يتفقون معهم في الآراء؟
جمال حماد: أنا لا أتفق مع اللي قال ثمانمائة..
أحمد منصور (مقاطعا): محمد نجيب نفسه اللي قال ثمانمائة وأحمد حمروش قال خمسمائة في الأول.
جمال حماد: معلش لكن أقول لك القاعدة، القاعدة كانت إيه؟ أن جميع اللواءات كلهم أحيلوا إلى المعاش، جميع اللواءات بتاع الجيش، ما فيش ولا واحد..
أحمد منصور: بقي لواء غير محمد نجيب.
جمال حماد: محمد نجيب فقط لا غير، وبعدين الأميرالات يعني..
أحمد منصور: العمداء.
جمال حماد: العمداء بقي منهم عدد قليل جدا، بعدين العقداء حوالي نصفهم تم والباقي مشيوا..
أحمد منصور (مقاطعا): إيه قواعد التسريح اللي كانت بتتم، أن ده ولاءه لنا أو مالوش ولاء؟ أنه مزاجية طالما الآن كل ضابط معه ليستة بالضباط اللي عايز يرقيهم واللي عايز يحطهم واللي قرايبه ومعارفه؟
جمال حماد: هو في الواقع أنه كان في لجنة، لجان يعني وأنا كنت عضو أحد هذه اللجان.
أحمد منصور: قل لنا كيف كانت تدير الأمور؟
جمال حماد: أنا اللجنة اللي كنت فيها كانت عبارة عن بيبصوا على النواحي الخلقية مش النواحي السياسية.
أحمد منصور: طيب ما كثير من الضباط اعترضوا أن جمال عبد الناصر دخل القمرتية والحشاشين واللي كذا كذا من الضباط وإدى لهم مكانة ما رضيش يشيلهم بعد كده.
جمال حماد: دول، ده إذا كان حصل هذا أنا ما أعرفش طبعا أنه كان في حاجات زي دي لأنه أنا ما بأحضرش هذه المجالس..
أحمد منصور (مقاطعا): لكن معروف، سير الضباط معروفة.
جمال حماد: هو طبعا اللي اشترك في الثورة لم يكن معقولا حتى إذا كان يعني في..
أحمد منصور (مقاطعا): أنا أقول الذين بقوا في الجيش بعد ذلك، عملية التسريح والإبقاء.
جمال حماد: عملية التطهير..
أحمد منصور: التطهير.
جمال حماد: التطهير كان فيها بلا شك نوع من أنواع العواطف..
أحمد منصور (مقاطعا): والإجحاف..
جمال حماد: لا شك.
أحمد منصور (متابعا): إجحاف بحق ضباط وبحق البلد.
جمال حماد: فيعني بعض الناس كان مثلا بيكره بعض الضباط فطبعا خرجه، وصلاح سالم خرج ناس كثير قوي بهذه الطريقة، يعني كان بيقول لك إن كل أصدقائه اللي كان بيعرفهم لقيناه مشاهم.
أحمد منصور: طبعا ما هو حيحكم بقى مش عايز حد زيه، هو وحده اللي عمل كده أم أن كثيرا أيضا من قيادات الضباط عمل..
جمال حماد (مقاطعا): يعني ده هو أبرز واحد كان هو يعني كنا مثلا بنطلع الناس اللي هم عندهم أخلاق غير حميدة أو نوع من الشذوذ أو غيره فهؤلاء استبعدناهم..
أحمد منصور (مقاطعا): دي اللجنة بتاعة سيادتك، دي لجنة الأخلاقيات، مين اللي كان فيها معك؟
جمال حماد: كان فيها معي معظم أعضاء مجلس الثورة.
أحمد منصور: مين اللي كان بيرأس اللجنة دي؟
جمال حماد: كان زكريا محي الدين كان بيرأس اللجنة.
أحمد منصور: هل دول وكانوا كلهم مقدمين وسيادتك زي ما قلت كانوا ضباطا عاديين قبل أربعة أيام كانوا مؤهلين أنهم يحكموا على كبار قيادات الجيش المصري اللي كثير منهم كانوا ناس وطنيين وناس يعني ليس كل من لم يشارك مع الضباط الأحرار لم يكن وطنيا؟
جمال حماد: صح طبيعي.
أحمد منصور: فبالتالي الآن هذا جيش بلد، التعامل معه بهذه الطريقة العسكرية هل كان صحيحا؟
جمال حماد: يعني أصله بقى الظرف اللي كنا فيه وقتها كان بيستلزم إبعاد كل الناس اللي كان لهم علاقات وثيقة مثلا برجال الملك..
أحمد منصور (مقاطعا): ماشي دول عددهم محدود ولكن سيادتك قلت الآن الجوانب الشخصية دخلت في الموضوع وربما لعبت الدور الأساسي فيه؟
جمال حماد: ما يمكنش أنه يحصل حاجة زي دي من غير نواحي شخصية تتدخل، مش عاوزة شك يعني في نواحي شخصية تدخلت لكن يعني عاوز أقول لك إن معظم التطهير اللي كان في الجيش كان له ما يبرره يعني مش اعتباطا كده يعني كل واحد في حاجة.
تخطيط عبد الناصر للانفراد بالسلطة
أحمد منصور: هل كنت أنت أو غيرك في ذلك الوقت وأنت كنت مديرا لمكتب محمد نجيب تعرف ما يدور في ذهن جمال عبد الناصر أو مخططاته للسيطرة على مقاليد الحكم وإقامة نظام شمولي استبدادي في مصر لا زال قائما إلى اليوم؟
جمال حماد: شوف يعني أنا متأكد أن جمال عبد الناصر منذ أول الثورة وهو يرسم ويخطط ليكون هو الوحيد المنفرد الذي يحكم مصر بعد كده..
أحمد منصور (مقاطعا): إيه الدلائل التي أعطتك هذا الشعور والانطباع؟
جمال حماد: لأنه شفته كل تحركاته وأعماله تنبئ بأنه يريد السيطرة وأنه هو لازم يترأس أي حاجة لأنه لا يقبل بغير الرئاسة بديلا في أي حاجة.
أحمد منصور: إضرب لنا مثالا؟
جمال حماد: يعني أي حد، ناس تقعد في مكان أو بتاع علشان خاطر يبحثوا أي شيء تلاقيه هو قاعد على رأس الطربيزة، وبعدين..
أحمد منصور (مقاطعا): ويفرض ما يريد؟
جمال حماد: ويفعل ما يريد طبعا، وبعدين الباقي كلهم كان الواضح قوي أن الباقين أو الكثيرين كانوا يعني بينصاعوا له، ينصاعوا.
أحمد منصور: هل ضعف شخصيات أم يعني ليه، ليه الكل كان بينصاع له؟
جمال حماد: كلهم معتقدين أنه هو العامل الحقيقة في نجاح الثورة لأنه هو اللي فضل مستمر بلا انقطاع على موضوع الضباط الأحرار، كان باستمرار يعني ما بيسكتش أبدا ومن الغريب يعني أن جهات الرقابة أو البوليس السياسي أو المخابرات..
أحمد منصور (مقاطعا): والبوليس الحربي وكل حاجة.
جمال حماد: وكل حاجة إزاي لم يلتفتوا إليه وهو كان دائم العمل على، العمل يعني على التنظيم يستمر وعلى أنه يعمل الثورة.
أحمد منصور: هل كان الأصوب إلى مصر آنذاك أن يعود كل هؤلاء الضباط إلى الثكنات وأن تعود الحياة البرلمانية والديمقراطية إلى مصر رغم كل ما أشاع الثوار عنها من أنها كانت حياة فاسدة؟
جمال حماد: اللي عاوز أقوله لك يعني إن مثلا جمال عبد الناصر في اجتماع في أوائل الثورة خالص أنه هو غضب من زملائه لأنه هو كان متبني حكاية أنه لازم حرية وديمقراطية وما فيش دكتاتورية.
أحمد منصور: الكلام ده ذكره عبد اللطيف البغدادي في مذكراته وذكره خالد محي الدين في مذكراته وتكلم عنه كمال الدين حسين في شهادته أيضا لكن كلهم بيقولوا هل ده كان تمثيلا من عبد الناصر لتمرير ما يريده بعد ذلك أم كان ذلك حقيقة؟
جمال حماد: أنا تعرضت لهذا الموضوع في الكتاب بتاعي..
أحمد منصور (مقاطعا): “أسرار ثورة يوليو”.
جمال حماد: أسرار ثورة يوليو”، تعرضت لهذا الموضوع قلت إن جمال عبد الناصر كان واقفا ضد بقية المجلس كله أنه هو عاوز ديمقراطية وعاوز حرية وهم عاوزين ديكتاتورية وبعدين أخذ بعضه وقام أنه هو مستقيل وأخذ بعضه وراح على بيته وثاني يوم الصبح راح له جمال سالم وعبد الحكيم عامر علشان يقولوا له أنت ليه بتعمل كده أنت لازم تخضع لحكم الأغلبية، فإيه السبب أنه هو كده؟ أنا ما بأقولش بقى إنه هو ساعتها كان يعني مش ضروري بقى.. إنه ساعتها كان بيناور والبغدادي بيقول إنه كان بيناور، أنا بأعتقد أنه مش بس بيناور جايز حاجة ثانية..
أحمد منصور: زي إيه؟
جمال حماد: (متابعا): جايز أنه هو في الأول لم يكن أحس بقى بمقدار السلطة والسلطان اللي هم فيه، يعني ما أتاح لهم الفرصة بنجاح الثورة إلى أنهم يصبحوا أسياد مصر بلا منازع واللي كلامهم عبارة عن قانون، طبعا بعد شوي جمال عبد الناصر تمتع بهذا السلطان وهذه السلطة وهذه القوة الجبارة لتجعل كلمته قانونا فخلاص بقى لما شاف السلطة دي وشاف حلاوة هذه السلطة بقى زي زملائه وعاوز يحكم وعاوز يتسلط.
محمد نجيب
أحمد منصور: كان محمد نجيب دوره إيه في هذه المرحلة؟
جمال حماد: محمد نجيب يعني للأسف الشديد أنه هو، هم قدروا حاجة سيكولوجية بدل هو، وأنا قلتها له بعدما خرج، قلت له هم نجحوا في إقناعك أنهم اللي جابوك وأنهم اللي عملوا الثورة وأنك أنت استفدت منهم وهم اللي خلوك كده بينما المفروض أنك أنت العكس كنت أنت تجيبهم وتقول لهم إنه لو ما كنتش أنا ما كنتم أنتم بقيتم كده..
أحمد منصور (مقاطعا): وهذه هي الحقيقة؟
جمال حماد: هذه هي الحقيقة.
أحمد منصور: لو لم يكن محمد نجيب لم يكن هناك نجاح لهؤلاء في شيء؟
جمال حماد: لا يمكن تنجح الثورة، مين اللي حيمشي وراء مقدم ولا رواد ولا مقدمين مين؟!
أحمد منصور: ولم يكونوا معروفين.
جمال حماد: ولا أحد عارفنا، يعني الدليل على كده أن جمال عبد الناصر حتى بين الضباط الأحرار مش معروف والدليل على كده أنه قبض عليه في كوربا ليلة 23 يوليو فما بالك بالنسبة للشعب ما حدش يعرفه خالص وهو ضابط مشاة، ما حدش يعني بتوع لا المدفعية ولا المدرعات ولا البحرية والطيران ولا أحد من دول يعرفه خالص فهو كان شخصا مجهولا بالنسبة يعني لـ 90% من الضباط فكيف كان يمكن أنه هو أقول أنا من المقدم جمال عبد الناصر إلى الشعب المصري، كان أحد حيسمع الكلام ده وينضم إلينا ليه؟! طبعا كل واحد يقول لك إشمعنى ده، إيه ده المقدم ده؟! وأنا أروح معه وأعمل مغامرة زي دي ليه مثلا؟!
أحمد منصور: يعني أنت خرجت علشان محمد نجيب على رأس الضباط وليس جمال عبد الناصر؟
جمال حماد: طبعا لو ما كانش محمد نجيب على رأس الثورة أنا ما كنتش انضميت، أنا شخصيا ما كنتش انضميت، أنا انضميت لأنه في واحد زي محمد نجيب بيقودنا.
بداية الديكتاتورية
أحمد منصور: وكذلك باقي الضباط أو معظمهم.
أحمد منصور: ألغي الدستور في العاشر من ديسمبر عام 1952، بدأت الدكتاتورية تأخذ أشكالا عديدة مختلفة، بدأ الضباط الذين ينادون بعودة زملائهم إلى الثكنات مثل ضباط المدفعية في يناير 1953، طبعا حوكم خميس والبقري في أكتوبر 1952 وهم من عمال كفر الدوار وأنا يؤسفني رغم الكلام الجيد اللي كاتبه عبد اللطيف البغدادي في مذكراته لكن تكلم عنهم كأنهم حشرات يعني وكانوا شيوعيين، أليست الثورة، ألم تقم الثورة من أجل الحفاظ على آدمية الناس، آدمية الشعب المصري، أن تبدأ الثورة بعملية إعدام اثنين من العمال!
جمال حماد: أنا انتقدت في كتابي، انتقدت محمد نجيب، لأن محمد نجيب قال إنه أنا جبت مصطفى خميس إلى مكتبي وأن هذا الرجل كنت عاوز بس أي حاجة يقولها لي علشان أخفف الحكم عليه بتاع الإعدام أقول له حد حرضك؟ حد كان معك؟ يقول أبدا أنا عملتش حاجة، أنا عملتش حاجة أبدا أنا آخذ إعدام ليه؟ وبعدين يقول إيه؟ جبت له شاي جبتها وأكرمته وبعدين يقول أنا يعني وقعت قرار الإعدام وقلبي يتمزق مش عارف إيه. أنا قلت إيه ده؟ أنت ده الضعف بتاعك ده هو اللي جلب المصائب على مصر كلها، أنت ضعفت باستمرار قدامهم، كل ما يقولوا لك حاجة تقول لهم حاضر ليه يا محمد نجيب، ليه كده؟ ما كنتش قائد ليه وتقول لهم لا؟ الرجل ده ما عملش حاجة وما فيش إعدام ولا حاجة، هم خلوك نفر في مجلس الثورة بدل ما أنت رئيس مجلس الثورة خلوك نفر فعلشان كده فضلوا يقتطعوا من قوتك لغاية ما خلوك صفر.
تسريح ضباط المدفعية
أحمد منصور: وعد محمد نجيب بأن يعود الضباط إلى الثكنات بعد انتخابات برلمانية في فبراير عام 1953 لكن ضباط المدفعية تمردوا في السادس عشر من يناير بعدما وجهوا انتقادات علنية لضباط القيادة واتهموهم باستغلال نفوذهم لتحقيق مصالحهم الخاصة، تحرك عبد الناصر وأخمد موضوع ضباط المدفعية وسرح عشرات الضباط من المدفعية وكان هذا بداية صراع ما بين الضباط الوطنيين الذين ينادون بعودة الحياة الديمقراطية إلى مصر وبين الذين تشبثوا بالسلطة وسيطروا عليها، كيف رصدت هذا الأمر؟
جمال حماد: طبعا هذا حصل أنه يعني ضباط المدفعية دول كانوا من أحسن الضباط الوطنيين في الجيش وكانوا يعني من الخطأ أن دول مثلا يتم التخلص منهم لأنهم كانوا بيعارضوا الدكتاتورية وبعد كده برضه ضباط الفرسان هم اللي رجعوا محمد نجيب ثاني بالإضافة إلى الشعب لأن محمد نجيب رجع في فبراير مش بس ضباط الفرسان كمان الشعب اللي رجعه، فطبعا كل دول بقى ما هو برضه الخطأ بتاع محمد نجيب يعني محمد نجيب ده قائد كويس جدا وشجاع جدا في الحرب ولكن هو في إدارته للثورة عمل أخطاء جسيمة جنى على مصر في النهاية.
أحمد منصور: ما هي أهم هذه الأخطاء في تصورك التي ارتكبها محمد نجيب؟
جمال حماد: أقول لك أنا إيه الأخطاء، أول حاجة تشكيل مجلس الثورة، إزاي أنت تسمح أن جمال عبد الناصر يمثل مجلس الثورة كلهم من رجاله وأنت مالكش ولا واحد فيهم.
أحمد منصور: كيف شكل مجلس قيادة الثورة؟
جمال حماد: جمال عبد الناصر هو اللي شكل مجلس الثورة، أنه الناس اللي هم كانوا معه في جمعية القيادة اللي كان بيطلق عليها جمعية القيادة جابهم كلهم خلاهم بدل ما اسمهم مجلس القيادة أو لجنة القيادة خلاهم مجلس القيادة ثم مجلس قيادة الثورة.
أحمد منصور: اللي هي كانت لجنة القيادة في الضباط الأحرار؟
جمال حماد: أيوه، فدول جابهم جمال عبد الناصر، طيب أنت يا محمد نجيب ما جبتش ناس ثانيين ليه من بتوعك أنت علشان توازن بينك وبين عبد الناصر؟ وخصوصا أنك تقدر تجيب، أنت مش حتجيب ضباط من بره، ضباط ممن اشتركوا في الثورة يعني واحد زي أحمد شوقي ده عقيد ما جبتوش ليه معك في مجلس الثورة؟..
أحمد منصور (مقاطعا): أحمد شوقي أيضا الذي قلت إنه قال لكم إنه مستعد أن يقبض على خاله في سبيل مصر وفي سبيل الشعب المصري، كان أيضا من الضحايا في حادث المدفعية.
جرائم الضباط الأحرار
أحمد منصور: إيه الانتقادات الأساسية هنا لأن الضباط كانوا يأخذون على هؤلاء الذين في مجلس قيادة الثورة أنهم بدؤوا ينهبون البلد؟
جمال حماد: بدؤوا يعني هم بدؤوا بقى يعملوا تصرفات غير شريفة ولم يكن الظن أنهم حيعملوا هذه الأشياء، فمثلا قالوا على أن صلاح سالم مثلا أنه العلاقة اللي بينه وبين فايزة..
أحمد منصور (مقاطعا): الأميرة فايزة.
جمال حماد: فايزة.
أحمد منصور: محمد نجيب تكلم عن ما أطلق عليه فضائح ضباط القيادة بدءا من السيطرة على القصور وأملاك العائلة الحاكمة وحتى الزواج من بناتهم.
جمال حماد: القوة، ده جمال سالم أحب واحدة وكان عاوز يأخذها بالعافية من زوجها.
أحمد منصور: من زوجها وهي متزوجة.
جمال حماد: أيوه.
أحمد منصور: محمد نجيب يقول إن مظاهرات الأخوان التي خرجت لتأييده في 5 فبراير 1954 والتي خطبها عبد القادر عودة جعلت عبد الناصر يحقد على عودة ويعدمه بعد ذلك بأشهر.
جمال حماد: طبيعي.
أحمد منصور: تخلص عبد الناصر من محمد نجيب، من الأخوان المسلمين، من كبار السياسيين، من يوسف صديق، من ضباط المدفعية من سلاح الفرسان من خالد محي الدين من باقي زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة واحدا تلو الآخر ولم يبق إلا عبد الحكيم عامر والسادات وحسين الشافعي، هذا أسرع ملخص لسيناريو الثورة كما رواه محمد نجيب.