في حوارهما في برنامج بلا حدود، الذي جرى بثه في 28/11/2007، يستعرض أحمد منصور، مع د. فولكر بيرتس، الرئيس التنفيذي ومدير المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية، أسرار الانحياز الألماني المطلق لإسرائيل ولو على حساب علاقتها بالدول العربية والإسلامية، علماً أن ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي رضخت للمطالب الأميركية بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات، أثناء حرب أكتوبر 1973، كما أمدت الإسرائيليين بالسلاح في حرب يونيو 1967.
وسبق الدعم الألماني لـ”إسرائيل” بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما في 12 مايو 1965، وعلى الرغم من أن اتفاقية لوكسمبورغ في سبتمبر 1952، نصت على دفع تعويضات ألمانية مليارية لإسرائيل على شكل بضائع وخدمات لمدة 12 عاماً، لم يتوقف الدعم الألماني لإسرائيل حتى اليوم، بما في ذلك قانون جديد، دخل حيز التنفيذ في ألمانيا في 27 يونيو 2024، يشترط على المتقدمين للحصول على الجنسية أن يقروا بحق دولة إسرائيل في الوجود.
واتسعت الإجراءات الألمانية لتشمل منع كل الرموز والشعارات الفلسطينية، بما في ذلك ارتداء “الكوفية” الفلسطينية في المدارس.
يذكر أن “القتل الجماعي لليهود انطلق من ألمانيا”، لكن رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتز، في خطاب موجه للبرلمان عقب هجوم السابع من أكتوبر، استخدم مصطلح “شتاتسريزون” والذي يعني “سبب وجود الدولة”، مراراً للتأكيد على أن حماية الدولة الإسرائيلية هو سبب وجود ألمانيا!!.
كما كان شولتز ثاني الزعماء الأوروبين الذين اتجهوا إلى إسرائيل، في 17 أكتوبر 2023، في أعقاب “طوفان الأقصى”.
أما وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك فقالت خلال زيارتها الأولى إلى إسرائيل بعد الهجوم : “في هذه الأيام كلنا إسرائيليون”.
بالتزامن، ارتفعت مبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل، بعد الحرب، إلى 10 أضعاف صادراتها في العام نفسه، لتتجاوز 323 مليون دولار.
وكشفت بيانات معهد ستوكهولهم لأبحاث السلام “سيبري” أن الولايات المتحدة وألمانيا توفران 99 في المئة من الأسلحة والذخائر لإسرائيل.
أيضاً دعمت ألمانيا موقف إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
نص حوار د. فولكر بيرتس عن أسرار الانحياز الألماني المطلق لإسرائيل
أحمد منصور: هناك نقطة مهمة فيما يتعلق بالدور الألماني، الدور الألماني في عهد ميركل يلاحَظ عربياً أنه أكثر انحيازاً لإسرائيل مما كان في عهد شرودر، لماذا تغيرت السياسة الألمانية فيما يتعلق بالتوازن بين العرب وإسرائيل؟
فولكر بيرتس: كل سياسي عنده لون معين، يعني أو يميل أكثر لجانب معين أو لجانب آخر، ولكن أنا أعتقد أن الفرق ليس كبيراً هكذا، فحكومة شرودر مثلما هي حكومة ميركل، هناك بعض الثوابت، ويمكن أحد هذه الثوابت، أننا نريد لإسرائيل أن تكون آمنة، ونصرّ في نفس الوقت أن أمن إسرائيل يأتي من خلال السلام مع العرب، مع جيران إسرائيل. يعني لا نأخذ قول بعض الإسرائيليين أن أمن إسرائيل يأتي من خلال السيطرة على الفلسطينيين أو على جيرانهم..
أحمد منصور (مقاطعاً): طيب ما الذي تقومون به في الجانب الآخر؟
فولكر بيرتس (متابعاً): فأنا أعتقد أن المستشارة ميركل مؤمنة بهذا الثابت، مثل المستشار شرودر.
الانحياز الألماني المطلق لإسرائيل
أحمد منصور: لكنها تركز دائماً على أمن إسرائيل ولا تركز على حقوق الفلسطينيين. هي النقطة هنا ليس فقط التركيز ولكن منح الفلسطينيين الحق في الحياة.
فولكر بيرتس: صحيح، أنا معك بأن كل البشر بشر، الفلسطينيين مثل الإسرائيليين مثل اللبنانيين مثل الأوروبيين..
أحمد منصور (مقاطعاً): في سياستكم ليسوا كذلك!
فولكر بيرتس: لا شك أن العلاقات الألمانية مع إسرائيل أقوى وأعمق، من، تقريباً، أي علاقات ألمانية مع بلد خارج أوروبا ويمكن الولايات المتحدة.
أحمد منصور: هل هذا يعود إلى الشعور الألماني بالذنب تجاه اليهود، والحياة في التاريخ وليس الحياة في الجغرافيا كما هي الآن؟
فولكر بيرتس: خلينا نقول هذا يعود إلى التاريخ المشترك بين اليهود الأوروبيين والألمان اليهود كانوا أو غير يهود، هذا يعود أكيد إلى الشعور بالمسؤولية حيال ما حدث في المحرقة وقت النازيين في ألمانيا، وهذا يعود بعد ذلك إلى علاقات عميقة جداً على، تقريباً، كل المستويات ثقافية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، وأنا يعني، شخصياً، أقول ليس هناك أي غلط في هذه العلاقات، الغلط في عدم وجود نفس العلاقات مع الفلسطينيين، اللبنانيين أو السوريين وغيرهم، يعني المطلوب ليس علاقات أقل مع إسرائيل ولكن علاقات أحسن وأعمق مع باقي الشعوب في الشرق الأوسط.
أحمد منصور: ما هي المجالات في هذا؟ لو أخذنا في إطار الفلسطينيين كطرف آخر الآن، أنتم كألمان قمتم بترتيب المفاوضات بين حزب الله والإسرائيليين فيما يتعلق ببعض ما يتعلق بموضوع الأسرى، وربما تلعبون دوراً في هذا الموضوع. ولكن فيما يتعلق بحماس، هل يمكن لألمانيا أن تلعب دوراً، سواءاً فيما يتعلق بعلاقة حماس مع فتح أو في ترتيب علاقة لحماس مع إسرائيل، في ظل ما يقال، إن إسرائيل لن تجد في النهاية إلا حركة حماس لتتفاوض معها؟
فولكر بيرتس: والله نظرياً هذا ممكن، يعني في الواقع أنا لا أعلم، يعني أنت تعرف أن هذه العلاقات، المفاوضات التي أجريت بين إسرائيل وحزب الله بعدة مناسبات كانت علاقات مخابراتية وليست سياسية لذلك أنا لا أعرف تفاصيل. نظرياً هذا ممكن في، يمكن، أكثر من جبهة، لأن ألمانيا، رغم ما قلت عن الميول، أو ما يُسمى ميول ميركل للجانب الإسرائيلي، ألمانيا لديها ثقة، بأكثر من جانب، عندها ثقة للألمان في الشرق الأوسط، فحزب الله كان عنده ثقة، على ما يبدو، وإسرائيل عندها ثقة بالألمان، ففي هذه الظروف ألمانيا تستطيع أن تلعب دور، هذا الدور محدود أكيد، ولكن يعني رغم محدوديتها يمكن كانت محقة.
أحمد منصور: من يحدد هذا الدور؟ هل الألمان يمكن أن يحددوا لأنفسهم دوراً في الشرق الأوسط، أم أن أمريكا هي التي تحدد للألمان المساحة التي تلعب فيها؟
فولكر بيرتس: لأ، أمريكا، مثلاً في هذه الأحداث وفي هذه الحالات التي حكيت عنها، أمريكا ليس لها دور. هذا شيء بين.. كانت أشياء بين لبنان وحزب الله وإسرائيل والألمان، ويمكن سوريا وإيران أيضاً دخلت في الصورة. فإذا كانت الثقة المطلوبة موجودة فجهات أجنبية مثل الألمان تستطيع أن تعمل.
أحمد منصور: حتى أغلق ملف حماس، كيف تنظر الآن إلى ما ينبغي على أوروبا أن تتعامل به تجاه حركة حماس؟
فولكر بيرتس: يعني أصلاً أعتقد أن أوروبا ليس لها علاقات مع هذه الحركات، أوروبا عندها علاقات مع مؤسسات رسمية ومع دول، إذا كان هناك دول، طبعاً فلسطين بعده ليس دولة. ولكن أنا أعتقد أن الأوربيين، مش فقط الأوربيين يعني تقريباً كل العالم عملت خطأ لما قطعت العلاقات الرسمية مع السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس بانتخابات 2006، فيعني هذا تم، في سنة 2007 لما الحكومة السعودية حاولت أن تخلق حكومة وحدة وطنية في فلسطين، الأوروبيين يريدون النظر في هذه المسألة وصاروا يشتغلون من جديد مع المؤسسات الرسمية. ليش أنا أقول أنه غلط، يعني نحن خاصة كألمان وأوروبيين بشكل عام، كنا ندعم بناء المؤسسات خاصة، بناء المؤسسات في الدولة الفلسطينية المقبلة، فكنا مصرّين مثلاً ببعض الضغوط ضد ياسر عرفات مثلاً أن المؤسسات تأخذ محلها، وليس فقط زعيم، يعني حتى الأمور الإدارية أين تذهب المساعدات المالية، لمصرف رسمي؟ أو لشخص؟ فكنا مصرّين جداً على بناء المؤسسات، ولذلك أعتقد، برأيي الشخصي، ولكن أنا أعبر عنه دائماً، وعبرت عنه أنه كان يجب النظر إلى السلة، وإلى علاقة مع الحكومة الفلسطينية، حتى بعد فوز حماس وخاصة بعد أن أنشئت حكومة الائتلاف..
أحمد منصور (مقاطعاً): الوحدة الوطنية.
فولكر بيرتس (متابعاً): الوحدة الوطنية. طبعاً الفلسطينيين لم يساعدوا كثيراً، ما صار في غزة بعدين، وطريقة إنحاء حكومة الوحدة الفلسطينية كارثة، كارثة للفلسطينيين وكارثة، أنا أعتقد، للثقافة السياسية العربية.
أحمد منصور: أنتم كألمان، ماهو موقع الشرق الأوسط في سياستكم الخارجية؟
فولكر بيرتس: الشرق الأوسط جزء من الجوار، أكثر مما كان في السابق، لأنه حالياً نتيجة التطورات الجيوسياسية داخل أوروبا، تقريباً حدودنا الخارجية البحر الأبيض المتوسط، يعني ليس هناك حدود بيننا، الشاطئ الإيطالي و الشاطئ الفرنسي، فلذلك كل الأمور التي تخرج من الشرق الأوسط إلى أوروبا تقريباً دخلت المجال الأوروبي وهذا يعني المجال الألماني. ولذلك الاهتمام بالأمور الشرق أوسطية ازداد عند الألمان. كان هناك، ونحن تحدثنا عن الموضوع، دائماً اهتمام بإسرائيل، ولكن أنا أعتقد أنه خلال الـ 10، 15 سنة الماضية، الاهتمام بالشرق الأوسط، بشكل عام، ازداد. طبعاً ألمانيا ليست موجودة على كل الجبهات، مثلاً فيما يتعلق بالعراق، نحن ليس لدينا وجود، وليس لدينا دور..
أحمد منصور (مقاطعاً): ولكن تقومون بتدريب القوات العراقية في الإمارات.
فولكر بيرتس: صحيح، ولكن هذا الدور محدود جداً، وأيضاً نقوم بتدريب..
أحمد منصور (مقاطعاً): إذا وسّعنا الشرق الأوسط..
فولكر بيرتس (متابعاً): بعض القضاة وبعض البرلمانيين.. إلى آخره، يعني في العراق ودورات وإلى آخره.. ولكن إذا، نعم كما تفضلت، إذا شفنا الشرق الأوسط أكبر قليلاً، عندنا دور في إيران..
أحمد منصور (مقاطعاً): وإذا ذهبنا إلى أفغانستان لكم دور هناك.
فولكر بيرتس (متابعاً): عندنا دور في إيران، دورنا في إيران مهم..
أحمد منصور: ما طبيعة دوركم في إيران؟
فولكر بيرتس: في إيران يعني نحن جزء أساسي في المفاوضات الأوروبية مع إيران. فأنا أعتقد، وطبعاً هذا لا أستطيع أن أثبته، ولكن لولا الدور الألماني ولولا الدور الأوروبي في الثلاث سنوات الأخيرة، فكنا رأينا حرب أمريكية إيرانية في هذا الوقت.
أحمد منصور: هذه رسالة مهمة الآن لمن يريد أن يقوم بعملية الإصلاح في العالم العربي من الحكومات التي علاقاتها بشعوبها ليست على ما يرام ولا تفكر بمثل هذا التفكير، ولكن أعتقد رسالتك الآن رسالة واضحة وجليّة في هذا الموضوع. النقطة المهمة الآن أن أمريكا قبل عشر سنوات أيضاً في هذا الجانب أعلنت عن دعم المشروعات الديموقراطية في الشرق الأوسط، ثم حينما صعدت حماس إلى السلطة توقف مشروع أمريكا وسط تحذيرات كثيرة من أن الديموقراطية في الشرق الأوسط تعني وصول الإسلاميين إلى السلطة. أنتم كأوروبيين هل لديكم مشكلة في أن تتعاملوا مع حكومات في المنطقة قادمة بخلفية إسلامية؟
فولكر بيرتس: نحن نتعاون مع حكومات لديها خلفية إسلامية، نحن نتعاون مع السعودية مثلاً، أليس لديها خلفية إسلامية؟ نحن نتعاون مع حكومة إيران، أليس لديها خلفية إسلامية؟ هذا يحدث. إذا كانت حكومة بخلفية إسلامية ثابتة مستقرة، وخاصة إذا سياستها الخارجية تؤدي إلى استقرار في المنطقة مثل الحكومة السعودية، ليس لدينا مشاكل أبداً..
أحمد منصور (مقاطعاً): لا أقصد الحكومة السعودية، لأن الحكومة السعودية ترفع لافتات إسلامية ولكن سياسة الدولة لها وضع آخر. لكن أنا أسألك تحديداً..
فولكر بيرتس (مقاطعاً): عندها سياسة واقعية بالنهاية، بس أنا ما كنت أريد أن أقول، نحن ليس لدينا مشكلة مع أيديولوجية الناس، إذا هم إسلاميون بتفكيرهم و أيديولوجيتهم ولكن سياستهم واقعية لماذا لا نعمل معهم؟
دعم الإستبداد ومحاربة خيار الشعوب العربية
أحمد منصور: أكثر وضوحاً أقول لك، هل لديكم استعداد الآن، إذا حركة مثل حماس فازت ويمكن أن تشكل حكومة، يمكن أن تستقر الأوضاع، أن تتعاملوا معها؟ الإخوان المسلمين في الأردن، في مصر، في اليمن، هل عندكم استعداد أن تتعاملوا مع هؤلاء؟ أم ستظلون تحاربون خيار الشعوب العربية إذا اختارت غير الحكام الذين يدينون بالولاء للغرب أكثر من الولاء لبلادهم؟
كان من الممكن أن نفتح حوارا مع حماس لو تعاملت بعقلانية أكثر، وطلبنا من الحركة ألا تستخدم العنف ضد إسرائيل أو أي طرف آخر والقبول بالاتفاقيات التي أبرمت سابقا بين السلطة وإسرائيل
فولكر بيرتس: لأ، أنا لا أعتقد أننا سنختار للشعوب العربية من يحكمهم. إذا الشعوب العربية يختارون قوى سياسية باتجاه إسلامي، وهذه الحكومات تقوم بسياسات مقبولة دولياً، يعني تحافظ على استقرار الدولة، تحافظ على علاقاتهم مع جيرانهم فليس لدينا مشكلة للتعاون معهم، يمكن عندنا ملاحظات على قوانين معنية، على تصرفات معينة، فسنحكي معهم، ربما نعارض بعض سياساتهم، قد تكون العلاقات أوثق أو مش وثيقة جداً، ولكن المهم علاقاتهم مع جوارهم، التصرف في المجال الدولي، التصرف في مجال حقوق الإنسان. حتى مع حكومة حماس، نحن تحدثنا عن الموضوع، وأنا قلت لك أنا كنت على اختلاف مع الموقف الرسمي لهذا البلد، ولكن حتى مع حكومة حماس لو تصرفت قليلاً بعقلانية أكثر، أعتقد كانت ممكن أن نفتح حوار معهم، فماذا طلبنا منهم؟ بالدرجة الأولى أن لا يستخدموا العنف ضد إسرائيل أو ضد أي طرف آخر، والقبول بالاتفاقيات التي أُبرِمت في السابق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.