استجداء ا لملا عمر

في أعقاب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن حامد كرازي ـ الذي يلقبه أعداؤه بأنه ” دمية أمريكا فى أفغانستان ” ـ عن استعداده للقاء الملا عمر زعيم حركة طالبان وقلب الدين حكمتيار رئيس الوزراء الأسبق ، من أجل التفاوض معهما لتعزيز فرص السلام فى أفغانستان ” وقال كارزاي وهو يستجدي لقاء الملا عمر أنه لا يعرف عنوانه أو رقم هاتفه ليذهب إليه هو وأنه إذا عرف عنوان الملا عمر أو مكان تواجده فسوف يبادر بالذهاب إليه ، وأكد كارزاي أنه بحث الموضوع مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، وهنا بيت القصيد أن جورج بوش الذي أعلن الحرب علي الملا عمر ، واصدر أمرا بالقبض عليه قد فوض ” دميته فى أفغانستان ” بأن يتفاوض مع الملا عمر ، وأن كارزاي وقف أمام عشرات الصحفيين بل وأمام كاميرات التليفزيون العالمية يستجدي لقاء الملا عمر ويطلب ممن يعرف مساعدته في الحصول علي هاتفه أو مكان إقامته ليهرول إليه حتى يتباحث معه ، وقد جاء هذا في أعقاب ما وصف بأنه أكبر هجوم تتعرض له القوات الأفغانية الحليفة للولايات المتحدة في أفغانستان والذي أدي إلي مقتل ثلاثين جنديا وضابطا أفغانيا فى هجوم أعلنت حركة طالبان مسئوليتها عنه ، وقال كارازي الذي لا يملك أن يمنح شيئا أنه ” علي استعداد لمنح بعض المناصب الحكومية إلي طالبان ” ، وأضاف أنه إذا ” كان الملا عمر وحكمتيار يريدان السلطة فبوسعهما الترشح في الأنتخابات التى ستجري فى العام 2009 ” .
خطاب كارزاي يعكس حالة الهزيمة التى تعيشها القوات الأمريكية والحليفة لها المحتلة لأفغانستان ، فضلا عن الأنهيار النفسي الذي يعيشه كارازي نفسه ، فالذي يستجدي الجلوس مع الملا عمر ليس كارزاي فهو لا يملك من أمره شيء ولكن الذي يستجدي ذلك هو الذي عين كارازي فى المنصب وسمح لكارازي بل ربما طلب منه أن يستجدي البحث عن الملا عمر وطلب الجلوس معه وهو الرئيس الأمريكي جورج بوش لكن طالبان أعلنت رفضها وتأكيدها أنها لا تريد السلطة والمناصب وإنما تريد خروج المحتل من أفغانستان ، وأعلنت أنها ستواصل القتال طالما أن هناك قوات محتلة علي أرض أفغانستان ، ورغم أن هذه ليست المرة الأولي التى يعرض فيها كارازاي الحوار مع حركة طالبان إلا أن هذه المرة لم تكن عرضا وإنما كانت استجداء وإلحاحا ورجاء ، يعكس حالة الهزيمة والمعاناة التى تعيشها القوات الأمريكية وحلفائها في أفغانستان والتى ربما تعيش أسوأ منها فى العراق ، فالأيام القليلة التى سبقت إعلان كارزاي وخلال أسبوع واحد قتل مائة وثمانون من العسكريين الأفغان ، أما القوات الأمريكية وقوات الناتو فهي عادة ما تتكتم علي قتلاها في أفغانستان ويساعدها علي ذلك عدم وجود أعداد كبيرة من الصحفيين والمراسلين الذين ينقلون ما يحدث في معظم المناطق لاسيما المناطق الجبلية الوعرة والبعيدة التى تشتعل فيها معارك طاحنة ، لكن الأسلوب الذي استجدي به كارزاي لقاء الملا عمر كفيل بأن يعكس حجم المأزق والهزيمة التى تعيشها هذه القوات .
المراقبون للوضع في أفغانستان يعكسون حجم التكتيك العسكري الهائل لطالبان وكذلك التكتيك السياسي ، فالحركة التى كانت شبه مغلقة في افكارها وتعاملها مع الآخر ومع الناس بدت وكأنها في ثوب جديد ، وقد اطلعت علي كتاب للزميل أحمد زيدان لازال تحت الطبع عنوانه ” عودة حركة طالبان ” رصد فيه التغيرات الجديدة التى تعيشها حركة طالبان ، الذي تبدوا فيه مختلفة تقريبا بشكل شبه كلي عن طالبان التى كانت مغلقة علي نفسها وعلي حياة الناس الذين يعيشون في مناطقها وبدا أن طالبان قد استفادت إلي حد كبير من أخطاء الماضي ، وأنها تسعي لكي تقبل الناس وأن تكون كذلك مقبولة منهم ، فهناك نظرة جديدة للمرأة وللتعليم ، وللتعامل مع الآخر ، وهناك استراتيجيات عسكرية ، ورؤي سياسية تختلف بالكلية عما سبق وهذا ربما جعل طالبان تكسب كل يوم أرضا جديدة ومتعاطفين جدد يخسر مقابله المحتلون وحلفاؤهم كثيرا من المكتسبات التى كانوا أعلنوا عن تحقيقها خلال السنوات الخمس الماضية ، وجعل الحلف الأمريكي الغربي يشعر بالفشل فى القضاء علي الحركة بل حتى فى تحجيمها وجعل كرازي يستجدي لقاء الملا عمر اليوم ، ومن يدري ربما غدا يستجدي الخروج مع القوات الحليفة التى ستخرج مثل كل القوات الغازية التى سعت لاحتلال أفغانستان خلال القرون الماضية وكان السوفيت آخرهم لكن آخر حليف للسوفيت في أفغانستان وهو الرئيس نجيب الله لم يتمكن حتى من الفرار حينما سقطت كابل فى أيدي أحمد شاه مسعود ، وفر إلي مقر الأمم المتحدة وظل حبيسا فيه حتى سقطت كابل في أيدي طالبان فاقتحموا مقر الأمم المتحدة وأعدموه ، مشاهد التاريخ القريب الدراماتيكية غالبا ما تستدعي في مثل هذه المناسبات .. مناسبات الأستجداء التى عادة ما تكون قريبة من إعلان الهزائم .

Total
0
Shares
السابق

التضليل السياسي فى شرم الشيخ

التالي
حمد بن جاسم

حمد بن جاسم : مستقبل قطر السياسي.. وملابسات توتر العلاقات مع السعودية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share