التواطؤ الأوروبي

علي مدي ساعة كاملة حاولت في حواري مع رئيسة فلندة رئيسة الأتحاد الأوروبي للدورة الحالية تاريا هالونين في الأسبوع الماضي من خلال برنامجي التليفزيوني ” بلاحدود ” أن أنتزع منها كلمة إدانة واحدة لأسرائيل و ما ترتكبه من جرائم حرب ـ فى لبنان وفلسطين لكنها أصرت على المراوغة ، حتى في محاولاتي معها حينما قلت لها ” أنتم بهذا الموقف شركاء لأسرائيل فيما ترتكبه من جرائم ” فإذا بها تتحدث عن استعدادها واستعداد أوروبا للمشاركة فى عملية السلام ، وحينما أردت أن أشخصن القضية معها وأتحدث عن مقتل المراقبين الدوليين الأربعة فى جنوب لبنان فى الخامس والعشرين من يوليو الماضي والذين كان من بينهم فلندي ، فقلت لها إن رد الفعل الصيني على مقتل المراقب الصيني كان قويا فيما كان رد الفعل الفلندي ديبلوماسيا ، ففوجئت بها تقول إنها تنتظر تحقيقات إسرائيل فى القضية ، ورفضت إدانتها ، فقلت أتحرك على البعد الأنساني البحت وسألتها عن مجزرة إسرائيل فى قانا في الثلاثين من يوليو الماضي والتى كان أغلب ضحاياها من النساء والأطفال ، فأبدت الرئيسة تأثرا شديدا بدا على وجهها وعينيها حتى أنها كادت تبكي وعبرت عن انفطار قلبها علي النساء والأطفال الذين قتلوا ، لكنها رفضت إدانة إسرائيل حتى علي هذه الجريمة ، وحينما سألتها عن القادة التاريخيين لبلادها الذين قادوا المقاومة ضد السوفيت وقادوا البلاد إلي الأستقلال هل تقبل بأن يصفهم أحد بالأرهابيين فوجئت بها ترتبك وتتلعثم ثم تتوقف عن الكلام ثم تجيب بعبارات غير مفهومة ، و حينما حاولت أن أستفزها وأطالبها بموقف تاريخي لبلادها تدين به ما تقوم به إسرائيل من جرائم راوغت وكان لابد أن أتفهم في النهاية أن أوروبا تدار من قبل الصقور الذين زرعوا إسرائيل فى قلب العالم العربي وعلي رأسهم بريطانيا وأن هؤلاء الذين يدعمون إسرائيل هم الذين يسيطرون على القرار الأوروبي ولهذا فإن أيا من الدول الصغيرة لا يستطيع أن يخرج عن سياسية الكبار ، ورغم الأعلام الفلندي اهتم بالمقابلة وأبرزها بشكل كبير سواء فى التليفزيون الرسمي أو الصحف التى ركزت علي أسئلتي المحرجة لها إلا أن الأمر في النهاية بيد الكبار ، وقد كان مؤتمر روما الذي عقد 26 يوليو الماضي والذي فشل فى مجرد طلب وقف إطلاق النار من إسرائيل دليلا واضحا على التواطؤ الأوروبي الذي تبجحت به إسرائيل وأعلنت أنه أعطاها ضوءا أخضر لمواصلة حربها على لبنان وفلسطين ، كما أن زيارة الدعم التى قام بها رئيس الوزراء الفرنسي دوفيلبان للبنان أوالتى قام به وزير خارجيته دوست بلازي من بعد لا تكفي علي الأطلاق لنقول إن موقف فرنسا مغاير لموقف الولايات المتحدة أو أوروبا ، ففرنسا أحد الدول الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن وكان يمكن لو أنها صادقة أن تتخذ موقفا غير الذي اتخذته فى مجلس الأمن مع الدول الأعضاء الذين لأول مرة في تاريخ المجلس لا يتخذون قرارا بوقف إطلاق النار فى حرب دائرة بعد مرور أكثر من خمسة وعشرين يوما علي اندلاعها .
وحدها إسبانيا ورئيس وزرائها الذي أدان إسرائيل بوضوح وأبدي تعاطفه بارتداء الكوفية الفلسطينية مما جعل إسرائيل وأنصارها يتهموه بالعداء للسامية لكن الرجل الذي كان أول قراراته بعد انتخابه أن يسحب القوات الأسبانية من العراق ، أبي إلا أن يسجل موقفا لحزبة ولبلاده كان الوحيد الذي أغضب إسرائيل من الأوروبيين ، حتى أن رئيس الجالية اليهودية فى إسبانيا اتهمه بالعداء للسامية لكن ذلك لم يدفعه إلي التراجع .
وإذا كانت إسبانيا حاولت أن تسجل موقفا مغايرا فقد قادت بريطانيا ـ التى منحت إسرائيل حق الوجود علي أنقاض فلسطين عبر وعد بلفور ـ التيار الأوروبي المؤيد لأسرائيل وجرائمها وسعت لوأد أي موقف أوروبي مغاير حتى أن بعض الدول حينما سعت لبناء موقف حيادي فى الأجتماع الوزاري الأوروبي فى بروكسيل في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي كانت بريطانيا لهم بالمرصاد ، وأبت إلا أن تفرض الموقف البريطاني المتلاحم تماما مع الموقف الأمريكي فى تقديم الدعم المطلق لأسرائيل حتى تنتهي من تحقيق أهدافها من وراء تلك الحرب التى حصدت حتى الآن مئات الأرواح من النساء والأطفال والعجائز ، علاوة علي تدمير البنية التحتية فى لبنان وفلسطين حتى المباني التى بنيت بمعونات أوروبية ، وبهذا تكون أوروبا أكدت على عنصريتها وعلي تواطئها فى كل ما تقوم به إسرائيل متناسية أن التاريخ لا يرحم المجرمين وحدهم وإنما لا يرحم حتى المتواطئين .

Total
0
Shares
السابق
حمد بن جاسم

حمد بن جاسم : مستقبل قطر السياسي.. وملابسات توتر العلاقات مع السعودية

التالي
حسن الترابي

حسن الترابي : مساؤى حكم العسكر..وتحوله من الحكم إلى المعارضة..وكيف أفسدت السياسة الحركة الإسلامية..

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share