سر قوة أحمدي نجاد

حينما تأملت فى الأسباب التى تدفع الرئيس الأيراني أحمدي نجاد لاتخاذ هذا الموقف المتشدد تجاه أمريكا والدول الغربية بشأن البرنامج النووي الأيراني وإعلانه أن إيران لن تتراجع عن برنامجها النووي ولن تقبل بالضغوط واضطرارا أمريكا مع أوروبا للبحث عن حل سلمي فى المسألة ، وجدت أن من أهم هذه الأسباب أن الرئيس أحمدي نجاد رئيس منتخب وجاء إلي الحكم بإرادة الشعب ورغبته ، وليس رئيسا مفروضا أو معينا مثل كثير من الرؤساء والزعماء العرب الذين لا يبدون مقاومة للضغوط الأمريكية والغربية أو يضطرون للرضوخ لها إذا أبدوا شيئا من المقاومة فى البداية ، السبب الثاني الذي هو نتيجة للأول هو قوة الجبهة الداخلية وتماسكها وراء أحمدي نجاد ، وقوة الجبهة الداخلية لدي كافة الأنظمة هي مفتاح رئيسي وسحري لصمود أية أمة ومقاومتها لأعدائها مهما كان ضعفها الظاهر ومهما كانت قوة عدوها ، فالضعف الظاهر يقوي بالتماسك والوحدة الداخلية ، بينما القوة تهتريء بالتفكك والضعف ، وإذا نظرنا إلى معظم الدول العربية نجد أن تماسك الجبهة الداخلية وراء الحكام ضعيف للغاية ، وذلك لأسباب معاكسة للأسباب الذي ذكرناها بالنسبة لتماسك الجبهة الداخلية وراء أحمدي نجاد ، فالزعماء العرب غير منتخبين أو جاؤوا إلي الحكم وفق أنظمة لا تنم عن خيار شعبي وبالتالي فإن هناك انفصام بينهم وبين الجبهة الداخلية ، كما أن غالبيتهم يعانون من الأستبداد والظلم ، وعدم إشراكهم فى اتخاذ القرار، حتي أصبحت الحكومات فى معظم الدول العربية فى واد وشعوبها فى واد آخر .
وإذا كانت الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة يمكن المراهنة بعد ذلك على الجبهة الخارجية والبعد الدولي ، وهو تماما ما لعبه نجاد حينما راهن على تفكيك الموقف الغربي من خلال المراهنة على الموقف الصيني والروسي والتردد فى الموقف الأوروربي ، فأجبر الولايات المتحدة علي إعادة النظر فى خطتها تجاه إيران ، وقد أدركت الولايات المتحدة ـ التى أشارت مصادر عديدة إلي أنها كانت قد أعدت خطة بالفعل لضربة جوية قوية ضد إيران وبدأت بالفعل بنشر بطاريات باتريوت فى بعض دول الخليج ـ أن الأمر ليس بالسهولة التى كانت تتوقعها وأن المصالح الأمريكية ، ستكون أكثر تهديدا كما أن الموقف الدولي لن يخدمها إذا أقدمت علي هذا ، لذلك خرج أحمدي نجاد بشكل مؤقت منتصرا تدعمه جبهته الداخلية القوية التى كانت رهانه الأول وتبقي هي المحرك الأول لسياسته التى قيمها بعض المراقبين فى البداية أنها سياسية متهورة بعيدة عن فهم الموقف الدولي وأبعاده ، وأن هجومه علي إسرائيل والمحرقة فى هذا الوقت ربما يجر على بلاده التى تعاني من ضغوط أمريكية نقمة اللوبي الصهيوني التى سيضاعف الضغوط على إيران، لكن نجاد كرر هجومه على إسرائيل والمحرقة كمن يلقي بكرة من اللهب في وسط أوروبا ، ولم يقف عند حد ذلك بل إنه يسعي الآن لتشكيل مؤتمر علمي سيدعوا إليه معظم المؤرخين المهتمين بالمحرقة من أجل البحث فى حقيقتها وطبيعة ما تم فيها ، وهذا تحد كبير في ظل أن كل من يشكك فى المحرقة فى الغرب أو حتى فى الأعداد التى يعلنها اليهود تحل عليه اللعنة ويسجن فى بعض الدول ولعل المؤرخ البريطاني الشهير ديفيد إيريفنج الذي كان يشار إليه علي أنه أفضل من أرخ لفترة هتلر والحرب العالمية الثانية والذي أجريت معه حوارا فى العام 2000 بعدما شكك فقط فى عدد اليهود الذين قتلوا فى المحرقة معتقل الآن فى النمسا بحكم قانون نجح اليهود فى إصداره هناك يقضي بسجن كل من يشكك فى الأرقام التى أعلنها اليهود حول عدد ضحايا المحرقة ، لكن نجاد ذهب إلى أبعد من ذلك وشكك فى المحرقة نفسها مما يعني أن معركته طويلة مع الأسرائيليين واللوبي اليهودي العالمي الذين يحاولون بكل الوسائل حشد جبهة قوية للتصعيد ضد إيران .
لكن نجاد يبدو أنه يدرك أبعاد اللعبة التى يقوم بها ويراهن على جبهته الداخلية واصطفاف الشعب خلفه ، معتقدا أن ذلك كفيل بصناعة المعجزات وتحدي الأقوياء والأيام القادمة كفيلة بكشف المزيد .

Total
0
Shares
السابق
حمد بن جاسم

حمد بن جاسم : مستقبل قطر السياسي.. وملابسات توتر العلاقات مع السعودية

التالي
حسن الترابي

حسن الترابي : مساؤى حكم العسكر..وتحوله من الحكم إلى المعارضة..وكيف أفسدت السياسة الحركة الإسلامية..

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share