جهل المسئولين الأمريكيين بالمنطقة العربية

كنت أتناول طعام الغداء مع الزميل وضاح خنفر مدير قناة الجزيرة وعبد الوهاب بدرخان مدير تحرير صحيفة الحياة وزملاء آخرين أثناء حضورنا منتدي أصيلة فى المغرب وندوته التى عقدت بين يومي 17 و18 أغسطس الماضي حول الإعلام العربي والخطاب مع الآخر حينما تقدمت منا الدكتورة كولن جرافي نائبة مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الديبلوماسية العامة كارين هيوز ، وطلبت مشاركتنا الغداء ، وسرعان ما فتح نقاش ساخن حول السياسة الأمريكية فى المنطقة ، وفوجئنا أن الدكتورة جرافي تحدثنا بنفس اللغة الخشبية التى تتحدث بها رئيستها كارين هيوز ، ورئيستهما كوندليزا رايس بل وكثير من المسئولين الأمريكيين الذين يتحدثون عن المنطقة العربية ، وهي لغة تكشف جهلا كاملا بالمنطقة وثقافتها وحضارتها وتاريخها وشعوبها وانحيازا مطلقا لأسرائيل وكل ما ترتكبه من جرائم بحق العرب منذ قيامها علي علي أطلال فلسطين عام 1948 ، والأدهي كان دفاعها المطلق عما قامت به إسرائيل فى لبنان وما تقوم به فى فلسطين معللة نفس التعليلات التى يتحدث بها المسئولون الأمريكيون الآخرون ،حينئذ بدأ بعض الزملاء يسردون لها الوقائع والتواريخ والأحداث والتصريحات والمواقف ، وهي بدت كأنها لا تعلم شيئا عما نتحدث عنه ، بل كانت تعيد علينا اللغة التى نسمعها في المؤتمرات الصحفية التى يعقدها المسئولون الأمريكيون أو الخطابات التى أصبحت تتكرر على مسامع العالم ولاتحمل أي جديد سوي استخدام مفردات الأرهاب مطية لممارسة ماهو أكبر من الأرهاب ، كان بعضنا صبورا إلي حد كبير في نقاشه معها بينما آثر آخرون الأستئذان بعدما نعتوا النقاش بأنه ” حوار طرشان ” ، وكانت مشكلة كولن جرافي هي مشكلة كل المسئولين الأمريكيين أنهم ليس لديهم استعداد حتى لمجرد السماع ، فضلا عن وجود أي استعداد للفهم ، هناك برمجة وموجة واحدة يتحدث بها الجميع ويكررون حديثهم دون أي استعداد لمراجعة ما يتحدثون به ولمن يتحدثون أو حتى الأستعداد لفهم جوانب ما يتحدثون عنه ، وانتهي الغداء أو بالأحري ” حوار الطرشان ” وذهبنا إلي الجلسة الثالثة من الندوة ، وتحدث بعض الحضور ثم طلبت الحديث مستشارة السفارة الأمريكية فى المغرب السيدة إيرلي ، وتحدثت إلي الحضور باللغة العربية التى تتقنها ، حيث أنها تعمل فى المنطقة وتقيم فيها منذ حوالي ثلاثين عاما ، حتى أنها قالت لي بعد الندوة إنها عملت باحثة اجتماعية فى مصر وأقامت فى حي الجمالية فى القاهرة في منتصف السبعينيات ، وطرحت السيدة إيرلي تصورا بأن يقوم منتدي أصيلة بعقد ندوة تضم أمريكيين وعرب من أجل فتح حوار بين الطرفين يتم مناقشة القضايا الخلافية من خلاله حتى يحدث تقارب بدلا من هذا التباعد الذي تتسع هوته يوما بعد يوم ،ثم طرحت بعض الأسئلة وطلبت من المشاركين الرد عليها ، ورغم أن الفكرة جيدة إلا أني رغم حرصي على أن أكون مستمعا فى الجلسات العامة كنت أول من طلب الرد على السيدة إيرلي ، وقلت لها : إن ما تطالب به هو ما يطالب به المثقفون والمفكرون العرب منذ أكثر من خمسة عشر عاما ، لكن للأسف الأدارة الأمريكية الحالية وكل العاملين فيها لايريدون حتى مجرد الأستماع فضلا عن الفهم ،ويهملون شعوب المنطقة ولا يفكرون إلا فى الحكومات التى تلبي لهم مطالبهم وتنفذ سياستهم ، وأننا قضينا ساعتين علي الغداء نحاول أن نقنع نائبة مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية الدكتورة جرافي بأن تفعل شئيا واحدا هو أن تنصت إلينا ، فضلا عن أن تفهم ، لكنها كانت مثل كل المسئولين الأمريكيين لا تسمع لصوت أحد فقط تريد أن تسمع العالم الرؤية الأمريكية والقرارات الأمريكية التى يجب أن ينصاع لها الجميع دون احترام للأخرين أو حتى إقرار بوجودهم ، فكيف يمكن أن ينشأ حوار فى ظل هذا الوضع ؟ ، إن أمريكا سوف تخسر مواطيء أقدامها في المنطقة إذا بقيت علي هذه السياسة لأن هذه السياسة مرتبطة بحكومات تتغير أما الشعوب فهي الباقية وإذا كانت عاجزة الآن عن تغيير الحكومات فسوف يأتي يوم تتداول فيه السلطة فى بلادنا كما تتداول فى الغرب وربما يكون قريبا .
سخن التصفيق الحاد والمتكرر القاعة وقد تحدث بعد ذلك عدد كبير من الحضور من أبرزهم وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر والأديب والمفكر السوداني محمد إبراهيم الشوش والزميل وضاح خنفر ، والكاتب محي الدين اللاذقاني وحتى بعض الحضور من الناس العاديين وكانت لغة الجميع واحدة ، وحملت انتقادات شديدة للأدارة الأمريكية وسياستها فى المنطقة وأكد الجميع علي أن الأدارة الأمريكية لا تسمع لأحد ولا تري إلا ما تريد ، ولا تتكلم إلا بما يرضي إسرائيل وسياستها علي حساب كافة الحقوق العربية ، وكان لابد لكولن جرافي التى كانت صامتة طوال الجلسات وتكتفي بتدوين ما يحدث وما يقال فى مفكرة صغيرة معها أن تتكلم ، وطلبت الكلمة وتحدثت بكلمة صغيرة شاكرة الجميع ومؤكدة أنها سوف تنقل لأدارتها ما سمعته من نقاشات ومطالب فى هذه القاعة أوفي نقاشاتها الجانبية ، وبعد انتهاء الجلسة جاءت نحوي وقالت : أريد أن أكمل النقاش معك ، قلت لها سأجمع نفس الفريق وربما أزيد آخرين على العشاء ، وانضمت إلينا الزميلة منتهي الرمحي ونجيب فريحي مسئول الأعلام فى الأمم المتحدة إضافة إلي بعض حضور الغداء ، لكن المفاجأة أنها أخذت تكرر على مسامعنا ما تحدثت به فى جلسة الغداء ، وحينما لاحظت جرافي حرص كثير من الحضور علي التقاط الصور التذكارية معي سعت لكسر حدة النقاش فقالت لي : هل تسمح لي بصورة ؟ قلت لها : سأسمح ولكن لمن هذه الصورة ، قالت وهي تبتسم : للمسئولين فى الخارجية الأمريكية ؟ ثم طلبت صورة أخري قلت لها ولمن الصورة الثانية قالت هذه المرة وهي تضحك : إلي كوندي وزيرة الخارجية فضحك بعض الحضور وقال أحد الخبثاء منهم : لابد أن يكون التقرير عنك موثقا بالصور ، بعد الصور بدأ ت الدكتورة جرافي وهي أستاذة سابقة للقانون الدولي فى جامعة لندن تنصت قليلا إلي المتحدثين وفي ختام حواراتي معها قلت لها : كان لك زميلة اسمها ” فيكتوريا كلارك ” قالت : نعم أعرفها كانت الناطقة الرسمية باسم وزارة الدفاع الأمريكية أثناء الحرب ، قالت لها : هذا صحيح ، ولكن ما يجب أن تعرفيه هو أن فيكتوريا كلارك بعدما استقالت من وظيفتها كتبت كتابا أثار ردود فعل واسعة عن الدور الذي كانت تقوم به فى وزارة الدفاع الأمريكية اسمه ” أحمر علي شفاه خنزير ” هل قرأتيه ؟ قالت لي : لا لم أقرؤه ؟ قلت لها آمل أن تقرئيه بعد أن تعودي إلي واشنطن حتى لا تكتشفي فى نهاية وظيفتك كما اكتشفت هي أن كل ما كانت تقوم به لم يكن سوي محاولة تجميل لشفاه الخنزير .

Total
0
Shares
السابق

الخوف من حركة حماس

التالي

دور الدول الكبري في صناعة الجوع في العالم

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share