دور الدول الكبري في صناعة الجوع في العالم

قبل عشر سنوات من الآن وتحديدا فى العام 1996 اجتمع عشرات من زعماء العالم فى القمة العالمية للأغذية ، وقرروا خفض نسبة الذين يعانون من الجوع إلي النصف ، لكن المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو الدكتور جاك ضيوف قال فى تصريح نشر فى 30 من أكتوبر الماضي أن عدد الجوعي يزداد كل عام أربعة ملايين نسمة وقد أشارت إحصاءات المنظمات المهتمة بمأساة صناعة الجوع فى العالم إلي أن عدد الذين يعانون من الجوع قد ارتفع ووصل الآن إلي 854 مليون جائع ، بينما بلغ الذين يموتون جوعا كل عام خمسة عشر مليونا فى الدول الفقيرة
فى الوقت الذي يموت فيه الناس فى الدول الغنية والغربية من التخمة وأمراضها ، وكنت قد التقيت في شهر يوليو من العام 2005 مع جان زيجلر المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء وأجريت معه حوار في برنامجي ” بلاحدود ” حول صناعة الجوع فى العالم ، ،وكان مما ذكره لي ” أن حجم ما ينتجه العالم من الغذاء يكفي لضعف سكان الأرض أي 12 مليار إنسان ، ومع ذلك فإن سدس سكان الكرة الأرضية يعانون من الجوع ” أما جيمس موريس المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي فقد نشر مقالا بمناسبة يوم الغذاء العالمي فى الخامس عشر من أكتوبر الماضي قال فيه ” إن هناك وفرة كبيرة فى الغذاء فى العالم تكفي لسد حاجة الجوعي فيه ، ففي إيطاليا علي سبيل المثال هناك فائض غذائي يزيد عن حاجة السكان يكفي لكل من يعانون من نقص التغذية فى إثيوبيا ، وفي فرنسا فإن فائض غذاء الفرنسيين يكفي لأطعام الجوعي فى جمهورية الكونغو الديمقراطية ، أما فائض الغذاء فى الولايات المتحدة فإنه يكفي لأطعام الجوعي فى قارة إفريقيا كلها ” وهذه الدول المتخمة هي من أكبر الدول التى تستهلك مقدرات الدول التي ينتشر فيها الفقر ، فقارة إفريقيا التى بها كثير من ثروات العالم وخيراته بها 27 دولة يعاني سكانها من نقص حاد فى الغذاء من بين 45 دولة حول العالم ، أما حديث الدول الكبري والمنظمات المعنية بسد حاجة الجوعي عن محاربة الفقر ليس معظمه سوي للأستهلاك الأعلامي بل إن معظم هذه الدول التى لديها وفرة فى الغذاء تقوم بإتلاف ما يزيد عن حاجتها من المحاصيل للمحافظة علي أسعاره العالمية أو تقوم بإرسال الفتات منه إلي الفقراء مع حملة دعائية ضخمة ، وكثيرا ما تكون هذه الأغذية قد فسدت أو علي وشك الفساد ، وقد فضح جيفري ساكس مدير معهد الأرض فى جامعة كولومبيا الأمريكية ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وأحد أكثر مائة شخصية تأثيرا فى العالم كل هذه المنظمات و الدول التى تقوم بصناعة الجوع والمجاعات فى كتابه ” نهاية الفقر ” وقال إن الدول الغنية قادرة وخلال فترة وجيزة على القضاء علي الجوع و الفقر لكنها لا تريد ، وعلي سبيل المثال ذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أعلنت بكل فخر عن تخصيصها مساعدات لدول غرب إفريقيا من أجل نتقية المياة بلغت قيمتها 44 مليون دولار ، سوف تقدمها على ثلاث سنوات ، ودول غرب إفريقيا هذه تضم 250 مليون إنسان وبالتالي فإن توزيع 44 مليون دولار علي ثلاث سنوات علي هذا العدد من الناس يعني أن كل فرد سيكون نصيبه سنت واحد ، وهو ما يكفي لشراء كوب من البلاستيك دون ملئه بالماء ” أليس هذا شكلا من أشكال الخداع التى تقوم بها كثير من المنظمات والجهات التى تدعي محاربة الجوع و القضاء عليه ؟ وقد أخبرني الدكتور جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو فى لقاء أجريته معه فى روما فى 22 أكتوبر الماضي أن ميزانية أكبر منظمة معنية بمحاربة الجوع فى العالم لا يزيد عن 350 مليون دولار فى العالم في الوقت الذي يبلغ فيه عدد الجوعي 854 مليونا وهذا يعني أن نصيب كل جائع سنويا لا يزيد عن أربعين سنتا هذا فى حالة أن المنظمة لا تنفق شيئا علي إدارتها ، ومع ذلك فإن كثيرا من الدول لا تساهم في دفع ميزانياتها فى المنظمة وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا يؤكد علي أن محاربة الفقر والجوع من قبل الدول الكبري ليس سوي أكذوبة ،، وهذا الأمر ليس فيه مبالغة فى ظل تقرير نشرته الأمم المتحدة فى 15 أكتوبر الماضي قالت فيه إن مبلغ 80 دولار فقط تكفي لأنقاذ أسرة سنويا من الجوع فقط ثمانون دولارا لأسرة كاملة طيلة عام كامل ، فكم تنفق المنظمات الدولية المهتمة بالجوع ومحاربته على مشروعاتها وموظفيها ورحلاتهم وفنادقهم وماهو الذي ينفق بشكل مباشر على الجوعي ، إن موت 15 مليون إنسان جوعا كل عام في عالم الوفرة هو إدانة للبشرية لأن كل من يموت جوعا هو قتيل ولابد له من قاتل ، ووجود 854 مليون جائع نصفهم من الأطفال هو إدانة لكل إنسان يبيت شبعانا ولا يحاول أن يسد رمق إنسان جائع أو يحاول ذلك ، وإن حديث الدول الكبري عن محاربة الجوع والفقر ليس سوي أكذوبة فهم بينون حضارتهم وثرواتهم فوق جماجم الشعوب الفقيرة ، فالجوع والخوف هما أكبر أعداء الأنسان ولاخير فى الأنسانية إن لم تبحث عن حل لهذه المعضلة .

Total
0
Shares
السابق

جهل المسئولين الأمريكيين بالمنطقة العربية

التالي

الحرب على الطلبة فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share