توني بلير فى ذمة التاريخ

رغم العرض المسرحي الهائل الذي قام به توني بلير أمام قيادات حزب العمال يوم الخميس العاشر من مايو لأعلان الموعد النهائي لتنحيه الذي حدد له السابع والعشرين من يونيو القادم ، إلا أن شبح هزيمته السياسية فى العراق غطي علي كل إنجازاته السياسية خلال عشر سنوات من البقاء فى السلطة ،وكان اللافت للنظر أن حزب العمال سرعان ما حذف شعار بلير الذي جاء به إلي السلطة قبل عشر سنوات من علي موقع الحزب وهو ” العمال الجديد ” وعاد ليكون اسم الحزب كما كان ” العمال ” إشارة إلي نهاية عهد بلير وهذا ما جعل صحيفة ” الديلي تلجراف البريطانية تضع عنوانها الرئيسي علي صفحتها الأولي يوم الجمعة 11 مايو ” نهاية العمال الجديد ” إشارة إلي أن حقبة توني بلير كانت حقبته هو ولم تكن حقبة تغيير كاملة فى الحزب الذي خسر الكثير من زعاماته التى اختلفت مع بلير وأسلوب سياسته وإدارته للبلاد ولسياستها الخارجية ، فرغم الحديث عن نجاحاته الداخلية فى كثير من الصحف إلا أن الجميع اتفق علي أن بلير هزم فى العراق ، وأن ورطته فى حرب العراق ستظل تلطخ تاريخه السياسي ، وقد حاول بلير أن يستبق هذه الأتهامات فى الأعتراف بأنه عمل الأفضل فقال في خطابه : ” بكل صدق قمت بما اعتقدت أنه الصواب ، ربما كنت مخطئا ، لكم أن تحكموا ، لكن صدقوا شيئا واحدا ، علي الأقل قمت بما اعتقدت أنه الأفضل لبلدنا ” لكن أحدا لم يتفق مع بلير علي أنه قام بالأفضل لبلاده ، بل إن كثيرين رأوا أنه قام بالأفضل لسياسة بوش وأمريكا ، التى أيدها تأييدا شبه مطلق لاسيما فيما يتعلق بالعراق ، وقد أشارت كثير من المصادر إلي أن ذلك يعود إلي المعتقدات الدينية الواحدة التى كانت تحركه هو ورفيقه جورج بوش حيث كان كل منهما بل ربما صرح أكثر من مرة أنه يتلقي وحيا من الله ، وأن ما قاما به فى العراق لم يكن سوي استجابة لأوامر إلهية ، هذا هو السر الحقيقي وراء التحالف الذي كان بين الرجلين ، لكن كثيرا من المراقبين فى بريطانيا يرون أن خليفة بلير جوردون براون ربما لا يحمل نفس التوجهات العقائدية التى كانت لدي بلير ، وأنه ربما يسير ببريطانيا فى طريق آخر ، لكن من الصعب الحكم مسبقا علي سياسي لم يجلس علي كرسييه ،وقد كانت هذه العلاقة بين الرجلين بوش وبلير مثار انتقادات ومقالات وكتابات من قبل السياسيين والكتاب البريطانيين الذين رأو بوش قد جعل من الأمبراطورية القديمة أضحوكة حتى وصل الأمر ببعضهم لأن يصفه ـبـ ” كلب بوش المدلل ” لكن بلير لم يلتفت لأي شيء وظل يخدم مبادئه وأفكاره المشتركة مع بوش ، فرغم أن الكاتب البريطاني فيليب ستنفينز كتب مقالا في عدد الجمعة 11 مايو في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية امتدح فيه قدرة بلير الخطابية إلا أنه انتقده بشدة قائلا : ” إن القدرة علي التعبير عن مخاوف الأمة وتطلعاتها شيء ، والقدرة علي التأثير فيها شيء آخر …. يكثر الكلام مع خروج توني بلير عن العراق وعن عبقرية سياسية تم إهدارها ، وعن فرص عديدة افترستها حرب كارثية وغير شعبية علي الأطلاق ” ، أما صحيفة الأنبدندنت التى كانت دائما تعارض سياسات بلير لاسيما فيما يتعلق بحربه في العراق فقد لخصت تاريخ عشر سنوات قضاها بلير فى رئاسة الحكومة البريطانية بعنوان واحد أبرزته علي صدر صفحتها الأولي يوم الجمعة هو ” بلير… العراق ” ، في إشارة إلي أن العراق ستظل هي تختزل تاريخ توني بلير السياسي أو علي الأقل ستبقي وصمة في تاريخ حياته السياسية ، وقد كان بلير أصغر رئيس ورزاء حكم بريطانيا خلال ما يقرب من قرنين حيث كان عمره ثلاثة وأربعون عاما قبل عشر سنوات حينما دخل إلي دواننج ستريت مقر الحكومة ، ورغم كل ما يمكن أن يقال عن إنجازاته التى أشار كثير من منتقديه أن كثيرا منها كانت خطابية ، إلا أن العراق ستبقي هي الهزيمة الكبري لتوني بلير .

Total
0
Shares
السابق

قصف الجزيرة فصل من فضائح بوش وبلير

التالي

محاكمة أمريكا وسي آي إيه

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share