قصف الجزيرة فصل من فضائح بوش وبلير

لم تغادر الكآبة وجه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش منذ عدة أسابيع ، وكذلك حليفه الرئيسي توني بلير رئيس الوزراء البريطاني ، فالفضائح تتوالي علي رأس كل منهما يوما بعد يوم ، حتى أنهما لم يعودا يجدا الوقت ليفيقا من فضيحة حتى يقعا فى أخري ، ففي الوقت الذي كان فيه بوش غارقا فى فضيحة مدير مكتب نائب الرئيس لويس ليبي ،التى تعتبر فضيحة قاصمة بالنسبة لبوش وإدارته حينما وجه له المدعي الخاص باتريك فيتزجيرالد تهمة الحنث باليمين ، وكذلك دعوة الديمقراطيين له بالأنسحاب من العراق ، كان توني بلير يواجه أول تصويت ضده فى البرلمان حينما لم يوافق الأعضاء على قانون مكافحة الأرهاب الذي تقدم به مما اعتبر ضربة قاصمة له يمكن أن تعجل بنهاية حياته السياسية فى وقت أبكر مما كان متوقعا لها ، كما أن العمليات العسكرية المتلاحقة التى تعلن عنها القوات الأمريكية فى غرب العراق لم تصرف الأنظار عن الورطة الحقيقية للقوات الأمريكية والبريطانية التى جعلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تعلن يوم الأربعاء الماضي 23 نوفمبر بأن ظروف انسحاب القوات الأمريكية من العراق قد تتوفر قريبا ، فيما أكدت مجلة نيوزويك الأمريكية فى مطلع أغسطس الماضي أن هناك خطة أمريكية لتخفيض عدد القوات الأمريكية فى العراق إلي 80 ألف جندي بحلول منتصف عام 2006 ، فى الوقت الذي أعلن فيه أن بريطانيا قد تبدأ فى سحب قواتها من العراق فى شهر يونيو من العام القادم 2006 ولعل هذا يكشف حجم الخسائر التى تتعرض لها كل من القوات الأمريكية والبريطانية رغم التكتم الشديد على العدد الحقيقي للضحايا ، مما جعل شبح فيئتنام يخيم بحق على أجواء البيت الأبيض .
فى ظل هذه الفضائح توالت فضائح جديدة الأولي جاءت بعد فيلم وثائقي بثته قناة ” راي ” الأيطالية حول استخدام القوات الأمريكية للفوسفور الأبيض ضد المدنيين العراقيين فى الفلوجة واعتراف البريطانيين أنهم استخدموه كذلك فى النجف ، والفوسفور الأبيض من الأسلحة المحرمة دوليا حيث أنه يذيب الخلايا الحية وكان هذا سر ذوبان الجثث دون أن تتأثر الملابس والذي عجز الأطباء العراقيون عن تفسيره طوال الفترات الماضية ، وقد أشارت صحيفة ” الديلي تلجراف البريطانية ” فى عددها الصادر فى 16 نوفمبر الماضي إلي أن الولايات المتحدة التى دأبت على إنكار استخدام هذه المادة التى اعترفت مؤخرا باستخدامها ، وهي ” قنابل تحرق الجلد وتخرتقه ويمكن أن تدمج مع قنابل تقليدية لصنع سلاح يسمي ” خليط دولي ” ، وهذه الفضيحة تكشف عن إمكانية استخدام أسلحة دولية أخري محرمة دوليا لم يكشف النقاب عنها فى العراق بعد ، فى نفس الوقت تفجرت فضيحة التعذيب الذي تمارسه وزارة الداخلية العراقية تحت رعاية القوات الأمريكية والذي لا يقل عما سبق وأن كشف من قبل حول فضيحة سجن أبوغريب .
لكن أم الفضائح لبوش وبلير ما كشفت عنه يوم الثلاثاء الماضي صحيفة ” الديلي ميرور ” البريطانية من حصولها على وثائق حول خطط للرئيس الأمريكي جورج بوش عرضها على حليفه توني بلير أثناء لقائهما فى واشنطن فى 16 إبريل من العام 2004 تتضمن قصف مقر قناة الجزيرة فى الدوحة وعدد من مكاتبها ردا على التغطية التى قامت بها القناة لمعركة الفلوجة الأولي التى كانت تدور رحاها فى هذه الأيام وانفردت الجزيرة بتغطيتها ، ولأني كنت المسئول عن القيام بالتغطية فى الفلوجة آنذاك ، وقدمت بالصور بعض ما ارتكتبه القوات الأمريكية من انتهاكات ضد المدنيين ، وخرج الناطق الرسمي باسم القوات الأمريكية الجنرال كيميت ليكذب ما أقول ويتهمني بنشر الأكاذيب ، في أمر غير مسبوق فى تاريخ الحروب أن يتهم أحد الصحفيين أنه يروج الأكاذيب من قبل قائد عسكري ، فقد كانت تصريحات الجنرال كيمت تكشف حجم الورطة التى كانت فيها القوات الأمريكية وأنها كانت تريد أن ترتكب جرائمها ضد المدنيين كما قامت بعد ذلك فى معركة الفلوجة الثانية دون أن تكون هناك كاميرات أو صحفيون يفضحون ما يقومون به ، وقد عبر بوش عن جحم الورطة فى تلك الوثيقة حينما قرر فى لقائه مع حليفه بلير أن يقصف قناة الحقيقة .
وقد بدا واضحا حجم الفضيحة التى وقع فيها بوش وبلير حينما أصدرت حكومة بلير وللمرة الأولي فى تاريخها أمرا إلى الديلي ميرور بعدم نشر الوثيقة ، وإلا فإن الحكومة سوف تستخدم قانون الأسرار الحكومية ضد محرري الميرور ، وهذا فى حد ذاته تأكيد على صحة ماجاء في الوثيقة التى يحاكم موظفان بريطانيان بتهمة تسريبها .
إن هذه الفضائح تكشف إلي أي مستوي وصل حكام أمريكا وبريطانيا ، لكن الكلمة الحرة لا يمكن أن تموت ، ومشعل الحقيقة لابد أ ن يجد دائما من يحمله .

Total
0
Shares
السابق

سر الحرب علي استقلال القضاء

التالي

توني بلير فى ذمة التاريخ

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share