مهمة توني بلير الجديدة

في اليوم الذي انتهت فيه مهمته كرئيس لوزراء بريطانيا بعد عشر سنوات قضاها في المنصب اختير توني بلير مبعوثا للجنة الرباعية الدولية للسلام فى الشرق الأوسط ، وقد جاء هذا الأختيار ليؤكد بأن السياسة الأمريكية فى المنطقة والتى حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بريجنسكي من الاستمرار فيها عبر كتابه الأخيرة ” الفرصة الثانية ” مستمرة ولن تتغير ، وأن الفرصة الثانية التى تحدث عنها بريجنسكي حتى تعيد أمريكا حساباتها لن تأتي ، كما أن مهمة توني بلير التى رحب بها حلفاء أمريكا ورفضتها حماس ، تعكس أن هذه المهمة فاشلة قبل أن تبدأ ، ولعل خليفة توني بلير جوردون براون وهو أقرب الناس إليه خلال السنوات الماضية يعرف عن بلير أكثر مما تعرف حركة حماس التى اعترضت ومن السلطة الفلسطينية وباقي حلفاء أمريكا الذي رحبوا فقد قال براون عن مهمة بلير الجديدة فى تقرير مطول نشرته صحيفة التايمز البريطانية فى 28 يونيو الماضي ” إن تعيين بلير فى هذا المنصب سيجعل من الصعب عليه صياغة سياسته الشرق أوسطية ” أما خافيير سولانا مفوض السياسة الخارجية فى الأتحاد الأوروبي فقد أشارت الصحيفة أنه غير سعيد من أن بلير سوف يتجاوزه فى سلطته وصلاحياته ، وأشار التقرير المطول بأن الزعماء الفلسطينيين الذين رحبوا ببلير فى العلن عبروا في مجالسهم الخاصة عن تشككهم فى نجاح مهمته .
وعلي الصعيد السياسي فإن ملف توني بلير فى فلسطين والعراق وأفغانستان يرشحه ليكون مجرم حرب وليس وسيط سلام ، فسياسته خلال عشر سنوات مليئة بالجرائم تجاه الشعب العراقي والأفغاني والفلسطيني فقد أشارت تقارير كثيرة نشرتها الصحف البريطانية خلال السنوات الماضية أن الحكومة البريطانية بقيت تمول الحكومة الأسرائيلية بالأسلحة التى تعلم مسبقا أنها سوف تستخدم فى قتل الفلسطينيين ، وقد ناقش البرلمان البريطاني والصحف البريطانية هذا الأمر مرارا خلال عهد بلير مما يجعله ضالعا فى الجرائم التى ارتكبت بحق الفلسطينيين بتمويله الطرف المعتدي ثم يذهب الآن وسيطا لحل نزاع هو أحد أطرافه ، أما في أفغانستان والعراق فحجم الجرائم التى ارتكبتها القوات البريطانية هناك تتحدث عنها الصحف البريطانية أكثر من أي صحف أو وسائل إعلام أخري مما يجعل ملف بلير السياسي ملطخ بجرائم الحرب ، فكيف لشخص متهم من جهات كثيرة من بينها جهات بريطانية علي رأسها الزعيم العمالي التاريخي توني بن بأنه مجرم حرب أن يكون مبعوث سلام ؟
كما أن التقرير الذي رفعه ألفارو دي سوتو موفد الأمم المتحدة السابق إلي الشرق الأوسط والذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 13 يونيو الماضي حول سيطرة الولايات المتحدة وإسرائيل علي الأمم المتحدة ودورها وموفديها لحل قضية فلسطين قد فضح كل الألاعيب الأمريكية والغربية التى تتحدث عن السلام ، حتى إسرائيل نفسها لم ترحب بتوني بلير والمعلقون الأسرائيليون قالوا إن حكومتهم لا ترغب بوجود وسيط من أجل التوصل إلي اتفاق سلام .
ولتوضيح أبعاد هذا التعيين سأضطر للقفز سريعا هنا إلي حادث آخر تنشغل به العاصمة البريطانية لندن ومعها القاهرة أيضا وهي حادثة نحر أو انتحار أشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ، ورئيس الهيئة العربية للتصنيع الأسبق والمتهم بالعمالة لأسرائيل وأنه سرب إليهم كما نشرت مصادر عديدة خبرا عن موعد حرب أكتوبر قبل أربع ساعات من وقوعها ، وسط تقارير عديدة تتحدث أنه كان عميلا مزدوجا ، أيا كان الأمر لاسيما وأنه مات بالطريقة نفسها التى مات بها الليثي ناصف القائد السابق للحرس الجمهوري فى مصر الرجل الذي وقف مع السادات ضد ما سمي بمراكز القوي عام 1971 وكذلك نفس الطريقة التى ماتت بها الممثلة سعاد حسني وسط تكنهات أن كلا من الثلاثة قتل بينما كان يكتب مذكراته أو علي وشك الأنتهاء منها وبنفس الطريقة ” السقوط من البلكونة ” ، الشاهد فى القصة حتى لا أذهب بعيدا أني التقيت مع أشرف مروان مرة واحدة في حياتي قبل خمس سنوات وتحديدا فى العام 2002 حيث كانت الشبهات مثارة حول علاقته بالموساد الأسرائيلي ، وكان لقائي به فى العاصمة البريطانية لندن وتحديدا فى بهو فندق تشرشل حيث كنت أحاول أقناعه بالمشاركة معي لتسجيل شهادته فى برنامجي التليفزيوني ” شاهد علي العصر ” بدا أشرف مروان خلال اللقاء مشوشا وقلقا إلي حد بعيد ، ووعدني بدارسة الأمر ، والرد لكنه لم يرد ولم أتصل به مرة أخري لكن أثناء الحديث معه عن بعض جوانب حياته قال لي عن ثروته التى لازالت تدور علامات استفهام حول مصدرها ” بصراحة الرئيس السادات طلبني وقال لي : يا أشرف سأعينك في وظيفة تقدر تعمل منها قرشين ، وعينني رئيسا للهيئة العربية للتصنيع “
من هنا فإن تعيين توني بلير فى الوظيفة الجديدة و التى قام بها رفيقه بوش هي من هذا القبيل أن يعمل قرشين لاسيما وأنه كرئيس وزراء لبريطانيا طوال عشر سنوات كان تحت المجهر ، وكل قرش له ولزوجته كان يحاسب عليه أما المبعوثين الدوليين فإنهم يعملون وفق ميزانيات مفتوحة ووظائفهم هي نوع من المكافآت المالية والفسحة وامتيازات السفر الفخم المريح ، أكثر منها نوعا من الكفاءة أو المهام المحددة للأنجاز وإلا فأي قضية تم تسويتها بشكل عادل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور أمريكا كدولة عظمي ؟ .. إنهم يكافئون أصدقاءهم ورجالهم علي أدوار قاموا بها ، وكل ذلك علي حساب الشعوب المنكوبة .

Total
0
Shares
السابق

الحرب على الصحفيين .. أصبحت مهنة الموت

التالي

الرئيس الذي تجنبه الزعماء العرب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share