الحرب على الصحفيين .. أصبحت مهنة الموت

جاء تراجع القناة الرابعة فى التليفزيون البريطاني عن بث فيلم ” علامة قايين ” الذي كان مقررا بثه يوم الخميس الخامس من إبريل الجاري ليشير إلي حجم الضغوط الهائلة التى تمارس علي الأعمال الصحفية و الوثائقية التى تكشف الجرائم التى يرتكبها الجنود البريطانيون ضد المدنيين في العراق ، فالفيلم الذي عرض للمرة الأولي فى مهرجان الأفلام العالمي في روتردام فى فبراير الماضي أثار ضجة كبيرة لاسيما بعد الجائزة التى منحتها منظمة العفو الدولية للفيلم ، وقد شن بعدها كثير من المسئولين العسكريين البريطانيين هجوما علي الفيلم وطالبوا بمنع عرضه وقال النقاد إن الفيلم يكشف الممارسات ” الوحشية واللا أخلاقية ” للجنود البريطانيين فى العراق .
كاتب سيناريو الفيلم هو طوني مارتشنت أبرز كتاب السيناريو فى بريطانيا ، وقد جمع مادة الفيلم من جنود بريطانيين سابقين وحاليين يعملون فى العراق ، ورغم أن صحيفة الجارديان قالت إن هذا الفيلم ” هو أفضل ما يمكن عرضه علي التليفزيون ” إلا أن الضغوط التى مارسها العسكريون نجحت أخيرا فى منع عرض الفيلم ، وتأتي هذه الضغوط ضمن سلسلة الضغوط التى تمارس علي الصحفيين والمصورين ومنتجي البرامج الوثائقية وحتى الروائية التى تفضح الممارسات الوحشية التى تقوم بها قوات الأحتلال في العراق ، حيث أصبح العراق هو أكبر ساحة تم فيها تصفية الصحفيين خلال الحروب التى قامت طول المائة عام الماضية مقارنة بالمدة الزمنية ، فحرب فيئتنام التى استمرت عشرين عاما من العام 1955 وحتى العام 1955 ، لم يقتل فيها سوي ثلاثة وستين صحفيا فقط ، أما الحرب الأفغانية فمنذ اندلاعها في العام 1975 وحتى خروج السوفيت نهاية العام 1989 ، لم يتجاوز عدد قتلي الصحفيين فيها أربعين صحفيا ، أما العراق فإنه وبمناسبة مرور أربع سنوات علي الأحتلال الأمريكي فقد أصدرت نقابة الصحفيين العراقيين بيانا فى 16 مارس الماضي قالت فيه إن عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال السنوات الأربع الماضية بلغ مائتي صحفي وهو أعلي معدل لقتل الصحفيين خلال تاريخ الحروب ، وقتل الصحفيين لايعني سوي قتل الحقيقية أو جانبا منها ، فكل الفضائح والجرائم والممارسات الوحشية لجنود الأحتلال في العراق لم يكشفها سوي الصحفيون ، لذلك أصبح الصحفيون أعداء حقيقيين لقوات الأحتلال ، وقد أكدت نقابة الصحفيين العراقية ، وأكد تقرير نشرته صحيفة القدس العربي في 22 ديسمبر من العام 2006 أن معظم الصحفيين القتلي كانوا ضحايا لعمليات قتل قامت بها القوات الأمريكية ،أما الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين فقد أصدرت بيانا قى 21 يناير الماضي 2007 قالت فيه إن العام 2006 كان الأسوأ حيث قتل 74 صحفيا عراقيا وجرح 31 أو نجوا من الموت بتعبير أدق ، ويأتي قتل الصحفيين في العراق ليقابل بمحاولة قتل سياسي ومعنوي للصحفيين العرب فى بلاد عربية أخري وقد عبرت عن ذلك لجنة حماية الصحفيين الدولية التي يقع مقرها فى نيويورك إذ قالت إن في تقريرها الأخير عن الحريات الصحفية فى العالم العربي عن العام 2006 والذي نشر فى فبراير الماضي 2007 ، أن الحريات الصحافية النسبية فى العالم العربي أصبحت من الماضي البعيد لاسيما في مصر والعراق ولبنان وفلسطين واليمن حيث يتعرض الصحفيون الشرفاء لعمليات ترهيب وتشويه للسمعة وإلصاق التهم ومحاولة استنزافهم فى معارك جانبية ويتم التجسس علي هواتفهم وتحركاتهم ومحاولات للإغراء بالمال والمناصب من قبل السلطات وبعضهم تستنزف طاقته فى المحاكم والقضايا حتى يكفوا ألسنتهم واقلامهم وهناك عدد من هؤلاء يحاكمون الآن فى مصر وعدد من الدول العربية الأخري وأخبرني إيدن وايت رئيس الأتحاد الدولي للصحفيين الذي التقيته فى حوار مطول أن الأتحاد الدولي بصدد إصدار تقرير عن الحريات الصحفية والمخاطر التى يتعرض لها الصحفيون فى العالم العربي تحديدا لاسيما عمليات الأعتقال التعسفي والحبس وتشويه السمعة والضغوط ، وقد ذهب المعهد الدولي لسلامة الأخبار والذي يقع مقره فى بروكسل بعيدا حينما أصدر في شهر مارس الماضي تقريرا مرعبا عما يتعرض له الصحفيون في أنحاد العالم من عمليات قتل ومطاردة ، وإرهاب من قبل الحكومات ، وقال إن تسع من بين كل عشر عمليات قتل يتعرض لها الصحفيون لا يتم الكشف عن مرتكبيها وتقيد ضد مجهول ، وهذا يعني تورطا مباشرا للحكومات أو متنفذين فيها بعمليات القتل ، وحذر التقرير من مستقبل قاتم ينتظر الصحفيين الذين يسعون لنقل الحقيقة ، ليس فى الحروب فقط ، وإنما الذين يحاربون الفساد والأستبداد وجرائم العصابات المنظمة ، وتشير الأحصاءات للسنوات العشر الأخيرة أن عدد الصحفيين الذين يقتلون شهريا يزيد علي عشرة صحفيين ، لقد كانوا يطلقون علي مهنة الصحافة مهنة المتاعب لكنها الآن أصبحت مهنة الموت والمخاطر ورغم كل ذلك سيظل الصحفيون الشرفاء يعلمون ويقدمون الحقيقة للناس حتى لو كانت حياتهم ثمنا لهذه الحقيقة .

Total
0
Shares
السابق

دوغلاس لوت قيصر الحرب الأمريكي الجديد

التالي

مهمة توني بلير الجديدة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share