الطريق إلي عدن

لم تكن هذه هي المرة الأولي التى أذهب فيها إلي عدن عاصمة اليمن الأقتصادية وعاصمة اليمن الجنوبي السابق ، فقد ذهبت فى أعقاب تفجير المدمرة الأمريكية كول فى ميناء عدن فى العام 2000 ، وكنت وقتها الصحفي الوحيد الذي أجري مقابلة علي الهواء مباشرة مع الرئيس علي عبد الله في أعقاب تدمير كول وكانت في برناجي بلاحدود ، وكانت معلوماتي السابقة عن عدن من جلسات مطولة قضيتها مع الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد في إطار التحضير لحلقات لم أسجلها بعد من برنامج ” شاهد على العصر ” ولأني مولع بالسفر برا عبر الجبال فقد قررت آنذاك العودة إلي صنعاء عبر الجبال ، لكن الليل منعني من الأستماع بالمناظر الجبلية الخلابة ، لذلك حينما وصلت إلي صنعاء في الأسبوع الماضي فى إطار إجراء حوار تليفزيوني كان الوحيد أيضا مع الرئيس علي عبد الله صالح حول الأنتخابات الرئاسية فى البلاد أبلغني سكرتيره الصحفي بعد وصولي إلي صنعاء أن اللقاء سيكون فى عدن ، قلت إذن سأذهب بالسيارة لاسيما وأن جبال إب وتعز تكتسي فى هذه الأيام بتلك الحلة الخضراء التى تجلوا النفس وتريح القلب ، وقبل ذهابي إلي عدن اجتمعت مساء الأثنين الماضي الحادي عشر من سبتمبر مع أبرز زعماء المعارضة اليمنية في مجلس الشيخ حميد الأحمر نجل الشيخ عبد الله الأحمرحيث يعتبر حميد من أشد معارضي الرئيس علي عبد الله صالح ، وكان من أبرز الحضور في ذلك المجلس فى صنعاء علاوة على الشيخ الأحمر الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الأشتراكي اليمني والأستاذ عبد الوهاب الأنسي الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للأصلاح ، والأستاذ علي محمد اليزيدي الأمين العام المساعد للتنظيم الناصري الوحدوي ، والدكتور محمد المتوكل الأمين العام المساعد لاتحاد القوي الشعبية ، وهم قادة القوي السياسية الرئيسية فى اليمن التى تكتلت ضد الرئيس علي عبد الله صالح وضد حزب المؤتمر الحاكم ، وهذه هي المرة الأولي فى العالم العربي التي تتحد فيها قوي سياسية مختلفة في توجهاتها تحت راية واحدة في حلف كنت أعتقد أن انتخابي لكني بعد جلسة امتدت عدة ساعات اكتشفت أنه استراتيجي بعيد المدي وعينه ليس علي الأنتخابات الرئاسية والمحلية القائمة ولكن على الأنتخابات التشريعية المقررة فى العام 2009 ، كان التناغم بين الحضور كبيرا فى الأجابة عن تساؤلاتي وكانت ثقتهم كبيرة بأن التغيير فى صالحهم وإن كان علي المدي البعيد ، كما أن نجاحهم فى حشد مئات الآلاف من اليمنيين في بعض تجمعاتهم الأنتخابية كما حدث فى تعز حيث حشدوا ما يزيد عن مليون يمني حضروا مؤتمر بن شملان الأنتخابي المنافس الرئيسي للرئيس علي عبد الله صالح وهو أكبر حشد حصل حتى الآن كما أن نجحوا فى أن يحشدوا فى محافظة عمران مسقط رأس الرئيس اليمني ضعف الذين حضروا مؤتمر الرئيس .
أخذت طريقي فى اليوم التالي إلي عدن وقررت الذهاب من طريق إب الجبلي بدلا من الطريق السهلي الآخر ، ولم أكد أصل إلي إب حتى وصلتنا أخبار مأساة وفاة وإصابة العشرات فى مؤتمر الرئيس صالح جراء التدافع ، ظل الطريق مغلقا لأكثر من ساعة ، ونحن جالسون فى السيارة لا نستطيع الحركة والمعلومات التى تصلنا كانت مشوشة ومتضاربة لكننا فى النهاية عرفنا ما حدث ، وكانت المعارضة علي وعي بحيث لم تستخدم الحادث بشكل دعائي مضاد ، و رغم وصولي مرهقا إلي عدن في المساء إلا أني تعمدت أن أجوب بعض الشوارع والأسواق لأتكلم مع الناس ، وكان كل من لقيتهم من أهل عدن ممتعضين مما حل بهم جراء الوحدة ، فهم يعاملون علي أنهم انفصاليون كما أنهم ذابوا فى التوافد السكاني الشمالي للمدينة ولا يحظون بالوظائف أو الأمتيازات التى يحظي بها أهل الشمال ، الكل كان يشكوا ، وحملت شكاوي أهل عدن إلي الرئيس وطرحتها معه علي الهواء فى حواري معه ، كما طرحت مخاوف المعارضة من التزوير ، وطموحها فى تحقيق نتائج بأرقام ونسب جديدة فى الأنتخابات اليمنية ، وأجاب الرئيس علي تساؤلاتي وتابع الملايين ذلك ، في طريقي إلي عدن وقفت علي حقائق كثيرة من أهمها أن الأنتخابات الرئاسية فى العام 99 كانت شكلية لكن انتخابات العشرين من سبتمبر الجاري مهما كانت نتائجها ، فهي منافسة جادة وحقيقية ، ولعل نجاح المعارضة فى حشد جموع أكبر من جموع الحزب الحاكم فى أكثر من موقع يؤكد أن هناك معركة شرسة علي كرسي الرئاسة ، وأن المعارضة في اليمن سبقت المعارضة فى الدول العربية بخطوة حينما تناست خلافاتها و اتحدت على أجندة وطنية بعيدة المدي ، كما أن الرئيس اليمني كذلك سبق الرؤساء العرب بخطوة قد تودي بمقعده فى الرئاسة إن أجري انتخابات حرة ونزيهة ، ولعل الجدل الذي ساد فى أعقاب بدء فرز النتائج والخلاف بين المعارضة والحكومة حول النسب التى حصل كل طرف تشير إلي أنه كانت هناك معركة انتخابات رئاسية حقيقية ربما ترسخ لمبدأ تدوال السلطة مستقبلا ليس فى اليمن وحدها وإنما في كل الدول العربية .

Total
0
Shares
السابق

تفكيك القصر الرئاسي

التالي

بريطانيا فى جنوب العراق : هزيمة بروح سايغون

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share