فضائح الرئيس ساركوزي تسجل أرقاما قياسية

رغم الحرارة الشديدة والرطوبة القاسية التي غمرت صيف باريس لعدة ايام والتي جعلتني اشعر اني في صيف دول الخليج ولست في صيف باريس فان حرارة الاجواء السياسية كانت هي الاشد ورغم الفضائح التي يواجهها ساركوزي من آن لآخر والتي كان آخرها ما نشر عن علاقاته وعلاقات زوجته كارلا لكنها توجت بفضيحة كبيرة تفجرت حينما اعلن في الخامس من يوليو الماضي عن استقالة وزير التعاون والفرانكفونية آلان جويانديه ووزير تنمية منطقة باريس كريستيان بلان على خلفية قضايا فساد تتعلق بهدر الاموال العامة من خلال الافراط في انفاقها.
وكان الاول قد اتهم من قبل الصحافة بأنه استأجر طائرة خاصة نقلته الى منطقة الكاريبي في رحلة عمل مما كلف الدولة الفرنسية ما يقارب 117 ألف يورو اضافة الى الاشتباه باستفادته من رخصة بناء غير قانونية لتوسيع منزل يملكه في منطقة سان تروبية جنوبي فرنسا.
اما الثاني فقد اتهمته الصحافة الفرنسية بشراء كمية من السيجار الكوبي قيمتها 12 ألف يورو.
وبالرغم من ان كلا الرجلين قد انكرا التهم التي وجهت لهما واعلن كل منهما انه كان ضحية للتغطية على تصرفات آخرين وفضائح اكبر فسرعان ما ظهرت تصرفات الآخرين والفضائح الاكبر حيث ظهرت فضيحة الرئيس ساركوزي نفسه التي وصفتها الصحافة بفضيحة الظرف المحشو بالنقود.
وتتلخص القصة التي لم تتوقف فصولها بعد في ان ليليان بيتينكو وريثة شركة لورييل لمستحضرات التجميل وهي المرأة الاكثر ثراء في فرنسا كانت قد قدمت بطريقة غير مشروعة مبلغا من المال قيمته 150 ألف يورو لتمويل حملة ساركوزي للانتخابات الرئاسية في عام 2007.
هذه الفضيحة اتاحت المجال للصحافة الفرنسية التي تتمتع بحرية كبيرة ان تكشف كل يوم فصلا من فصول الفضيحة التي تفجرت تقريبا الآن بشكل كامل حينما ادلت كلير تيبو المحاسبة لدى بيتانكور بحديث تفصيلي الى موقع ميديا بارت الالكتروني المشهور بالتحقيقات الصحفية يوم الاربعاء الماضي 7 يوليو تحدثت فيه عن البلاغ الذي تقدمت به ضد مستشار المليارديرة الفرنسية بأنه سحب مبلغ 150 ألف يورو من احد المصارف في مارس من العام 2007 وقدمها لأريك فيرت وزير العمل الفرنسي الحالي والذي كان في ذلك الوقت امين صندوق حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية الذي يرأسه ساركوزي وذلك بهدف تمويل حملة ساركوزي الانتخابية.
وقد اصابت هذه الفضيحة ساركوزي في مقتل فهي الاكبر من حيث حجمها بخلاف كل ما تعرض له منذ وصوله للاليزيه.
وقد دفع هذا الامر المعارضة الى المطالبة بتحقيق مستقل لا سيما وأن القاضي الذي يدير التحقيقات حسب اتهامات عدو ساركوزي اللدود دومونيك دوفليبان هو قاض مقرب من ساركوزي وتابع للحكومة ولا بد ان تدار هذه التحقيقات من قبل قاضي تحقيق مستقل.
ولأن مستشاري ساركوزي ورجاله يعيشون أسوأ مراحل وجودهم في الاليزيه فقد صبوا جام غضبهم على الصحافة والصحفيين الفرنسيين واتهموا هؤلاء الصحفيين بالفاشية حيث غطت صور ساركوزي القلقة والمتوترة والغاضبة معظم صفحات الصحف مع توالي فصول الفضيحة التي يمكن لو تراكمت ان تجبره على القيام بما لا يمكن تصوره لا سيما وان هذه الفضيحة جاءت في جو مليء بالضغوط والاحتقان بدءا من هزيمة المنتخب الفرنسي في المونديال وخروجه مبكرا والتي تطورت من لعبة رياضية الى ازمة شعبية ودراما وطنية ومرورا بأزمة النقاب التي احتلت جانبا كبيرا من نقاشات البرلمان والصحافة الفرنسية الى الحكم الذي اصدرته محكمة فرنسية في شهر مايو الماضي على وزير الداخلية الفرنسي بغرامة بسبب ملاحظات عنصرية تفوه بها حول العرب في شهر سبتمبر من العام الماضي 2009 الى مظاهرات الاحتجاج حول رفع سن التقاعد وغيرها.
وقد فجرت فضيحة ساركوزي الاخيرة سجله في الرئاسة بشكل عام وعاد بعضهم الى التقرير الذي اصدره ديوان المحاسبة الفرنسي اعلى سلطة رقابية في فرنسا في شهر يوليو من العام الماضي 2009 حول التجاوزات المالية في قصر الاليزيه والنفقات الباهظة للرئيس ساركوزي، وهذه هي المرة الاولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية التي يفتح فيها ملف نفقات الاليزيه بعدما تجاوزت نفقات ساركوزي نفقات كافة الرؤساء الذين سبقوه.
وقد اكد ديوان المحاسبة ان ساركوزي قد تجاوز في نفقاته كل من سبقه من الرؤساء في تاريخ الجمهوريات في فرنسا ولم يمنع رئيس الديوان الذي اصدر التقرير ورفض ان يكون سريا ونشر في الصحف كون ان الرئيس هو الذي يعينه من ان يواجه الرئيس بمخالفاته التي هزت الطبقة السياسية والمجتمع الفرنسي في ظل ما يقوم به ساركوزي من دور خطير في تدمير معارضيه سواء باستيعابهم في منظومة الدولة او اقصائهم من مناصبهم بأسلوب لا يقل عن اساليب حكام العالم الثالث في التعامل مع المعارضين لهم.
ورغم العراقة التي تتمتع بها مؤسسات الدولة في فرنسا الا ان بعض المراقبين يرون ان ساركوزي يقوم بتفكيك بنية النظام الجمهوري في فرنسا بأسلوب الديكتاتورية الناعمة، فهل ينجح ساركوزي في تفكيك النظام الجمهوري في فرنسا ام ان فضائحه ستفككه وتفكك نظامه؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

تركيا تعيد ترتيب ميزان القوى الإقليمي

التالي

« فتح » و« حماس » على خطين متوازيين

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share