« فتح » و« حماس » على خطين متوازيين

الأزمة القائمة بين حركتي «فتح» و«حماس» في فلسطين ليست أزمة علاقات شخصية أو خلاف في وجهات النظر يمكن تقريبها بين طرفين ولكنها خلاف جذري وحاد بين فكرتين ونهجين واتجاهين وعالمين احدهما يرى ان إسرائيل طرف يمكن الوثوق به والتعامل معه وابرام المعاهدات والاتفاقات التي تضمن استيلاءه على ما استولى عليه من ارض فلسطين، بل هي تتعامل مع ذلك بالفعل وقد توجت ذلك باتفاقية أوسلو مع إسرائيل وهي السلطة الفلسطينية التي تمثل حركة فتح، وطرف آخر يرى ان إسرائيل دولة معتدية على فلسطين كل فلسطين، ويجب ان تتم مقاومتها حتى يتم استرداد فلسطين كل فلسطين منها، وهذا ما تعلنه وتنادي به وتنهجه حركة حماس وان كانت حماس في أدبياتها حتى قبل وفاة مؤسسها الشيخ أحمد ياسين لا ترى مانعا في التفاوض مع إسرائيل على حدود عام 1967 فلا يعني ذلك انها تتنازل عن باقي فلسطين ولكنها ترى في ذلك مرحلة من مراحل الصراع الذي يقتضي ان يجزأ.
لقد نجحت حركة المقاومة الاسلامية حماس في ان تنمي قدراتها السياسية في ادارة الصراع سواء بينها وبين إسرائيل أو بينها وبين الاطراف المناوئة الاخرى لها على الساحة الفلسطينية ولم تقف عند حدود المواجهة العسكرية ولكنها تخطتها الى العمل السياسي الذي يقوم على المناورة والمداورة.
لكن لأن حماس واقع لا يمكن تجاوزه فإن أعداءها في الداخل والخارج يرون ضرورة اجهاضها قبل اشراكها في أية مفاوضات أو الاعتراف بها كواقع لا يمكن تجاوزه لذا يشارك الجميع بمن فيهم حكومات عربية في عملية الحصار التي تتم لقطاع غزة ويسعون لتقويض أية مبادرة عربية أو دولية تعترف بحماس عنصرا فاعلا في الصراع.
ولأن حماس تعرف أبعاد اللعبة العربية والدولية فإن قادتها لا يعلنون رفضهم للمصالحة بل يعلنون تجاوبهم معها ويشاركون يوما بعد يوم في مفاوضات ولقاءات عادة لا تسفر عن شيء مع وسطاء عرب أو ممثلين للسلطة أو ممثلين لحركة فتح التي انقسمت الى عدة تيارات منها تيار ارتمى في أحضان إسرائيل وتيار لايزال يتخذ المقاومة سبيلا لتحرير الأرض وهذا الطرف يحتفظ بعلاقات قوية مع الحركات المقاومة الأخرى ومنها حركة حماس ويخون أعضاء في فتح أو تحديدا في السلطة الفلسطينية ثبت ان لهم علاقات تنسيق قوية وواسعة مع إسرائيل ضد القضية الفلسطينية وضد حركات المقاومة وضد الشعب الفلسطيني.
من هنا فإن الذين يريدون فرض المصالحة بين فتح وحماس انما يريدون فرض شيء لن يتحقق إلا ربما بالكلام فكيف يمكن الاتفاق بين طرف لا يخفي تعاونه مع إسرائيل بل هناك من الاتفاقات ما يلزمه بذلك وطرف تسعى إسرائيل لتدميره ويسعى هو الآخر لتدميرها كيف يمكن الاتفاق بين طرفين احدهما يعلن شعارات تختلف تماما عن الشعارات، بل والممارسات التي يقوم بها الطرف الآخر.
إن هذه المصالحة التي يصر الجميع عليها هي شيء من الوهم الذي لا يمكن ان يتحقق.
فرغم مرور سنوات على طلبات المصالحة أعرب عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح بعد لقاء عقده في بيروت قبل ايام مع بعض ممثلي حركة حماس برئاسة اسامة حمدان انه «لمس لغة جديدة ورغبة ظاهرة» من طرف ممثلي حماس في تواصل اللقاءات.
وبينما تصر القاهرة على ان ورقتها غير قابلة لأي تعديلات ــ وكأنما أنزلت من السماء ــ تصر حماس انها لن توقع عليها إلا بعد التعديل. الكل يريد ان يكسب الوقت أملا في تغير الظروف والمعطيات التي تتيح له بعد ذلك ان يحقق مكاسب فالجمود ليس جمودا في عملية المصالحة على الاطلاق ولكنه جمود في معظم المواقف والسياسات العربية التي تكلست بعدما اصبحت الأمور موسدة في كثير من الأحيان الى أنظمة متكلسة اصبح الجميع ينتظر تدخل الأقدار حتى يقع التغيير أي تغيير ومن ثم تمشي تلك المياه الراكدة وتتحرك من تلك المستنقعات الآسنة أما المصالحة بين فتح وحماس وفق المعطيات الحالية والأنظمة القائمة فهي في تصوري أمر شبه مستحيل.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

فضائح الرئيس ساركوزي تسجل أرقاما قياسية

التالي

الأزمة الكبرى بين الحليفين أميركا و بريطانيا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share