تونس.. الطريق إلى الحرية

لن تحصل الشعوب على حريتها الا حينما يكون لديها الاستعداد لبذل الدماء وقد خطا الشعب التونسي نحو الحرية بدمائه، ليس من خلال الذين سقطوا في المواجهات الاخيرة مع الاجهزة القمعية التي اقامتها النظم الاستبدادية في العالم العربي حتى تحمي الحاكم الطاغية المستبد الفاسد وحاشيته من الشعب فحسب، ولكن من خلال الدماء التي سالت في فترات الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي حتى الحصول على الاستقلال الشكلي عام 1956، وكذلك الدماء التي سالت في عهد الرئيس برقيبة الذي جاء الى الحكم عبر مسرحية هزلية رتبت مع اجهزة الاستخبارات الاميركية والفرنسية خدع فيها الشعب التونسي حتى تمكن من السلطة ثم قاد البلاد الى نظام ديكتاتوري استبدادي مطلق ولم يتورع من ان يطلق النار عدة مرات على شعبه كان بن علي مديرا للأمن في احداها ولعل اسوأها تلك التي وقعت في 26 من يناير عام 1978 حيث قتل مائتا تونسي وجرح مثلهم ووصف هذا اليوم باسم الخميس الاسود وهو لم يختلف كثيرا عن مجزرة 9 ابريل عام 1938 حيث ارتكب المحتلون الفرنسيون مجزرة بحق الشعب التونسي لا تختلف كثيرا عن المذبحة التي قام بها بورقيبة وبن علي ضده عام 1978، كما ان ثورة الخبز التي قامت في نهاية ديسمبر ويناير 1984 ودفع الشعب التونسي كذلك الثمن من دماء ابنائه حتى أعاد بورقيبة اسعار الخبز الى ما كانت عليه فامتص غضب الشعب وبقي كما هو في السلطة وكما نجح بورقيبة في اختطاف الثورة التونسية بترتيب مع الاميركيين والفرنسيين نجح بن علي في اختطاف السلطة من بورقيبة في 7 نوفمبر عام 1987 بعدما دخل بورقيبة مرحلة الخرف والشيخوخة وكان ذلك بترتيب – كما يقول بعض المراقبين – مع نفس الاجهزة التي رتب معها بورقيبة في باريس وواشنطن وقد اقام بن علي نظاما شموليا قمعيا يعد على الناس انفاسهم وأطلق يد سيدة قرطاج ليلى الطرابلسي وعائلتها تعبث فسادا في اموال الشعب ومقدراته، بينما الاغلبية لا تستطيع حتى الحديث او انتقاد ما كان يحدث، وظن بن علي ان اجهزته القمعية والحماية الغربية له كفيلة بأن تحميه من شعبه الذي ثار بعد ثلاثة وعشرين عاما من الظلم والاضطهاد والفساد وكانت دماء محمد البوعزيزي هي الوقود الذي أشعل الثورة ضد الطاغية المستبد الذي خرج في خطاب ذليل مساء الخميس الماضي بعدما قتل العشرات من شعبه يستجدي الشعب التونسي بذلة ويتعهد بألا يرشح نفسه مرة اخرى بعدما كان جوقة المنافقين خرجت قبل عدة أشهر تناشده ان يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية التي ستحل بعد اربع سنوات اي في العام 2014، خرج الطاغية ذليلا يظهر لشعبه كأنه خدع من مستشاريه الذين كانوا لا يستشارون بشيء فقد كشفت وثائق ويكيلكس ان طاغية تونس لم يكن ينصت او يسمع لأحد من ثم لم يسمع له الشعب ووضعه ووضع خطابه تحت الاقدام بل خرج التونسيون في اليوم التالي لخطابه ليفزعوه رافضين استجداءه ومعلنين «بن علي بره بره» ولم يجد الطاغية بدا من الفرار تماما كما فعل شاه ايران وعيدي امين وجعفر النميري وغيرهم من الطواغيت الذين يحكمون الشعوب بالاجهزة القمعية الامنية التي سرعان ما تتخلى عنهم اذا تخلى عنهم الشعب، ويكفي ان بن علي ظل يجوب بطائرته الاجواء اثنتي عشرة ساعة يبحث عن بلد يؤويه وكان أول من لفظه حلفاؤه الفرنسيون تماما كما لفظ الاميركيون شاه ايران وظل يجوب بطائرته اجواء الدنيا عدة ايام حتى استضافة صديقه السادات الذي كان يعتبر مصر مزرعته الخاصة يستضيف فيها من يشاء وكان شعب مصر لا قيمة له واخيرا منحت السعودية بن علي ملجأ يعيش ايامه الاخيرة فيه يتحسر على ملكه الزائل وظلمه الذي وضع الشعب له نهاية وفساده وفساد حاشيته واقاربه الذين كانوا يعتقدون ان الدنيا دانت ودامت لهم لكنهم سرعان ما هربوا تحت غضبة الشعب مشتتين في ارجاء الدنيا.
لكن الأمر لن يقف عند حد ذلك فالشعب التونسي يتعرض لخدعة ومؤامرة كبرى لاختطاف ثورته يقوم بها بعض رجال بن علي ونظامه الذين يجب ان يلاقوا مصيره لأنهم شاركوا في خداع الشعب ونهب ثرواته وكانوا يد الحاكم الظالم الباطشة طوال السنوات الماضية وقد فطن كثير من ابناء الشعب لذلك لكن الانظمة التي وضعت بورقيبة وبعده بن علي ورعته وساندته لن تقف مكتوفة الايدي كذلك فهي ستظل تبحث عن وريث يحكم الشعب التونسي ويدين بالولاء لها لا للشعب التونسي ولعل محاولة الوزير الاول محمد الغنوشي الذي وقف والى جواره احد الذين اجرموا بحق الشعب التونسي لسنوات طويلة يعكس الصورة التي اراد رجال بن علي ان يخدعوا الشعب بها.
لقد ضحت الشعوب العربية ضد الاحتلال والاستعمار وفرشت الطريق الى الاستقلال والحرية بدماء واجساد الشهداء لكن لصوص الثورات سطوا على هذا النصر وسرقوه وسرقوا معه احلام الشعوب وحريتها وآدميتها واذاقوها من الهوان ما لم تذقه على ايدي المحتلين وجعلوها تعيش تحت قوانين الطوارئ طوال الوقت من ثم فان القضية ليست الحصول فقط على الحرية وتحرير البلاد من الحكام المستبدين ولكن في الحفاظ على هذا النصر ومنح الشعوب الاولوية الاولى لتفرح بالنصر وتكون ملكيته لها، لقد انهى التونسيون الشطر الاول من مسيرة استرداد الحرية ولكن الشطر الثاني هو الاهم حتى لا تضيع دماء الشهداء هباء وحتى لا تبقي النظام هو هو ولا يتغير غير بعض الوجوه ان كل من ساند الطاغية او وادعه او نصره على الشعب او سارع ليبايعه لرئاسة جديدة كان موعدها بعد اربع سنوات يجب ان يرحل معه وان يمارس الشعب التونسي حقه في الحياة الحرة الكريمة وان يقيم نظاما يقوم على احترام آدمية الناس وحقوقهم ويضعهم سواسية أمام القانون اما اذا تعرض هذا الشعب لسرقة جديدة لثورته ونضاله فتلك هي الطامة الكبرى.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

عقد التراجع الأميركي

التالي

الرئيس... الذى سرق حقائبى (1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share