حقيقة الأزمة الاقتصادية في مصر

صرخة التحذير التي أطلقها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر في 16 من مايو الجاري حول تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر بحاجة إلى وقفة لتأمل حقيقتها من خلال حجم المليارات التي كان من المفترض أنها تشكل جزءا رئيسيا في مصادر الدخل المصري فعلى سبيل المثال قال اللواء أركان حرب محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية إن مصر تخسر يوميا 40 مليون دولار في قطاع السياحة الذي تراجع دخله بنسبة 80% وهذا يعني أن دخل مصر اليومي من قطاع السياحة كان 50 مليون دولار في اليوم أي ثمانية عشر مليار دولار في العام ولا أدري هل هذا هو الرقم الذي يسجل في مصادر الدخل القومي من السياحة أم لا ، وقال اللواء نصر إن الاحتياطي من النقد الأجنبي تراجع من 36 إلى 28 مليار دولار خلال الثورة، إضافة إلى المليارات التي خسرتها قيمة الأسهم في البورصة، وارتفاع عجز الموازنة إلى 1290 مليار جنيه، ما يشير إلى أن معدل النمو لن يزيد على ما بين 1 % و2 %.
كما حذر المجلس العسكري من ارتفاع معدل الفقر، الذي يقترب حالياً من 70 %، منها 6 % بدرجة فقير معدم كما وصل الدين العام المحلي والخارجي إلى 1080 مليار جنيه تمثل 90 % من إجمالي الناتج المحلى، كما تراوحت خسائر قطاعات الصناعة بين 10 و20 مليار جنيه نتيجة توقف معظم المصانع خلال الفترة الماضية.
لن أخوض كثيرا في الأرقام، ولذلك لجأت إلى بعض الاقتصاديين وخبراء المال حتى أفهم منهم حقيقة الوضع وهل هناك أزمة حقيقية أم سوء إدارة مازال قائما، تماما مثل سوء الإدارة الذي كان قائما في مصر طوال العقود الماضية وكان يقوم على الهدر والسرقة وسوء التقدير فوجدت أن الأمر في خلاصته ما زال به جانب كبير من سوء الإدارة والتخطيط وانعدام الرقابة المالية، وعلى سبيل المثال لا الحصر اللواء محمود نصر قال إن الاحتياطي النقدي انخفض من 36 إلى 28 مليار وهذا يعني أن هناك ثمانية مليارات من الدولارات قد خرجت من مصر أو أنفقت خلال مائة يوم هو عمر الثورة المصرية، وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط قد ذكرت يوم السبت 21 مايو أن الاحتياطي النقدي قد انخفض إلى 24 ونصف المليار دولار لكن البنك المركزي انتفض وقال إن الاحتياطي النقدي الحالي هو 28 لكن القائمين على البنك المركزي لم يخبرونا حتى الآن أين ذهبت ثمانية مليارات دولار خلال مائة يوم، ولماذا لم ينفذوا طلبات الخبراء بعد الثورة مباشرة بفرض قيود على التحويل الأجنبي لمدة ثلاثة أشهر يمكن أن تجدد كما تفعل كل الدول التي تخشى من هروب رؤوس الأموال في ظل عمليات السلب والنهب التى كان يمارسها أركان النظام السابق للبلاد مما منحهم وغيرهم الفرصة لتهريب ما نهبوه وسرقوه، لكن السيد رئيس البنك المركزي لم يقم بذلك مما ساعد اللصوص على تهريب الأموال ، أما السيد وزير المالية فبدلا من أن يضع خطة محددة يفرض بها القيود على أمور كثيرة فإنه فتح يده ـ فى بلد يعاني اقتصاديا ـ لتوزيع الملايين على الصحف القومية وعلى غيرها بل فتح الباب لطلب التوظيف فجاءته ملايين الطلبات التي كان يجب أن تقدم لوزارة العمل وليس المالية وأعلن أنه سوف يعطي كل محتاج دون خطة واضحة المعالم، كما أن الخبراء طالبوا بأن يتم ضم الصناديق الخاصة التي سبق أن أشار خبراء ماليون مصريون إلى أن ميزانيتها تفوق التريليون جنيه وأن تجبر الوزارات والمؤسسات على الانفاق من هذه الصناديق بعيدا عن الميزانية العامة لكن وزير المالية خرج في 21 مايو ليعلن أن ميزانية الصناديق الخاصة هي 36 مليار جنيه وليست تريليون حتى لو كانت 36 مليارا فهي ميزانية ضخمة يمكن أن تخفض العبء عن الميزانية العامة، كما أن الميزانية السرية لوزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات السيادية لا يعلم عنها أحد شيئا ولا يعلم بعد حل جهاز أمن الدولة صاحب الميزانية الضخمة أين ذهبت.
سألت الدكتور عبد الله شحاتة مستشار صندوق النقد الدولي وأستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة حول حقيقة الأزمة الاقتصادية فقال: الوضع في الفترة بين عامي 2001 و2004 كان أسوأ بكثير من الوضع الحالي، كما أن التحسن الظاهري للاقتصاد في عهد حكومة نظيف كان سببه إدخال موارد مؤقتة رفعت مستوى الميزانية مثل بيع الرخصة الثالثة للمحمول وبيع الأراضي وأمور أخرى غير مستدامة في الوقت الذي كانت فيه حكومة نظيف تسير أعمالها بأعباء ضخمة من الديون أوصلت الدين العام إلى الرقم الخرافي الذي هو عليه الآن، فوزير المالية رغم نجاحة في التخلص من بعض بؤر الفساد في الوزارة إلا أن هذا ليس كافيا كما أن لجوءه للاستجابة لرفع الأجور وغيرها من التصرفات التي لا تقوم على دراسات عميقة يصنع أزمة ويرحل المشكلات للمستقبل بشكل أكثر تعقيدا، ويمكن وضع خطوات عملية لتحسين الوضع الاقتصادي بشكل جيد خلال عام واحد فقط عبر تفعيل الرقابة المالية بشكل دقيق والتوقف عن الاستجابة للمطالب الفئوية، والتوقف الفوري عن دعم الصادرات لأنه يكلف الدولة 4 مليارات دولار والتوقف عن تلقي طلبات التوظيف لأن هذا ليس عمل وزارة المالية، مع تشديد الرقابة على الصناديق الخاصة، وإعادة جدولة ديون مصر الخارجية وخفض الفائدة عليها والاقتراض من السوق المحلي والعربي والابتعاد تماما عن الصندوق والبنك الدوليين، والتوقف عن فكرة تطبيق الحد الأدنى للأجور فى هذه المرحلة وأن يكون ضمن رؤية ودراسة شاملة، أما على مستوى السنوات الثلاث القادمة فيجب أن يتم إلغاء الصناديق الخاصة وأن يكون هناك صندوق واحد للدولة مع إصلاح منظومة الأجور وتفعيل الضرائب بشكل عادل والإصلاح التدريجي للدعم وتشكيل لجنة خاصة وصندوق خاص لاسترداد الأموال المنهوبة.
إن مصر دولة غنية لكنها كانت ومازالت منهوبة ماليا ومدمرة إداريا وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فهذا يعني أن الثورة التي قام بها الشعب لم تنجح لأن من أهم أهداف الثورة هو أن تؤول ثروة مصر إلى شعب مصر وأن تكون هناك عدالة ومساواة وأن يتم القضاء على الفقر والبؤس وإذا كان المصريون قد نجحوا في القيام بثورة فإن نجاحهم الأكبر سيكون في قدرتهم على إدارة بلدهم بالشكل الذي يتم القضاء فيه على الفساد المالي والإداري، وتوجيه الموارد إلى مصارفها الأساسية مع رقابة مالية دقيقة، فالأزمة ليست اقتصادية ولكنها أزمة إدارة للاقتصاد والموارد وعدم شفافية واستمرار سيطرة رجال النظام القديم على مفاصل الادارة وأماكن صناعة القرار وعلى رأسهم فيما يتعلق بالنظام المالي رئيس البنك المركزي صديق جمال مبارك، وهذا هو السر الحقيقي للأزمة كيف تقوم ثورة بينما النظام برجاله ما زالوا يحكمون ويديرون بنفس العقليات والقوانين وا لسياسات، ثم نقول هناك أزمة، نعم هناك أزمة وستظل الأزمة قائمة حتى تأتي حكومة وحاكم من اختيار الشعب يحاسب من الشعب ويؤدي الأمانة للشعب وإلا فستبقى الأمور على ما هي عليه حتى تقوم ثورة أخرى فتحقق للمصريين ما يحلمون به.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

تأثير البلطجية على مستقبل الثورة المصرية

التالي

هل مصــــر دولـــة مــــدنـيـــة أم ديـنـيـــة ؟

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share