مخطط تقسـيم مصـر

التقرير الذي نشرته صحيفة «الشروق» المصرية على صدر صفحتها الأولى في عددها الذي صدر يوم السبت الماضي 4 يونيو تقرير مخيف للغاية، فهو يتحدث نقلا عن مصادر في المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية عن وجود مخطط سري لتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات، دولية لأهل النوبة، ودويلة للأقباط ودويلة للمسلمين، والخطورة هنا ليست في الحديث عن هذا المخطط الذي سبق وأن سربت بعض المعلومات عنه خلال السنوات الماضية، ولكن في التأكيد على أن هذه المعلومات تنقل عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم مصر الآن وهي تفيد بوجود أدلة على حقيقة المخطط وأنه قيد التنفيذ من قبل القوى التي وضعته والتي تسعى لتنفيذه، ولعل هذا المخطط يكشف عن بعض ما تتعرض له مصر من مؤامرات بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في ازاحة رأس النظام الفاسد السابق وكبار مساعديه من مناصبهم والبدء في محاكمتهم، وقد تمثلت هذه الأشياء في ما وقع من أحداث الفتنة الطائفية التي اندلعت عدة مرات بعد قيام الثورة ونجاح الشعب في اخمادها، أو في عدم عودة الأمن والاستقرار إلى مصر حتى الآن مع مؤشرات تفيد بأن هناك جهات بعضها موجود في سدة السلطة إلى الآن تتقصد ذلك وتعمل على عدم الاستقرار لتنفيذ مخطط ما لا يصب في مصلحة مصر أو شعبها أو ثورتها، علاوة على ظهور بعض النعرات العرقية هنا وهناك تتحدث عن تهميش متعمد لبعض أبناء مصر خلال العقود الماضية مع تصاعد موجة المطالب الفئوية التي تعرقل مسيرة الثورة وعودة الاستقرار.
أذكر أني أثناء زيارة قمت بها للولايات المتحدة عام 1993 قمت بحضور احدى جلسات الكونغرس، وكان يدور حديث آنذاك عن تقسيم السودان، حيث فتحت أبواب الكونغرس لجون قرنق زعيم جنوب السودان واستقبل في كافة المحافل الأميركية، ولم يكن الحديث عن تقسيم السودان جديدا في هذا الوقت فقد بدأ منذ منتصف الخمسينيات ولكنه أصبح جديا بداية التسعينيات حينما تأكدت الشركات الأميركية بأن جنوب السودان يعوم على بحيرة من النفط من ثم يجب عزل جنوب السودان عن شماله والتحكم في منابع النفط الجديدة واضعاف الدولة التي تعتبر عمقا استراتيجيا لمصر والتحكم في منابع النيل، وقد استغرق الأمر منذ الحديث عنه بجدية وحتى تحقيقه ما يقرب من عشرين عاما حينما أعلن بداية العام الجاري 2011 بعد استفتاء أعد له جيدا عن تقسيم السودان إلى شمال وجنوب وسط مخططات تتحدث عن تقسيمات أخرى ربما تطال شرق السودان وغربه كذلك ليتم تمزيق أكبر دولة افريقية وهي السودان إلى عدة دويلات، وقد كتبت وغيري كثيرون عن أن تقسيم السودان يشكل أكبر خطورة على مصر وأمنها القومي، ولعل الصمت على تقسيم السودان كان من أكبر جرائم النظام السابق الذي كان يقوده حسني مبارك حيث تشكل السودان على مدار التاريخ العمق الاستراتيجي لمصر، وأن التهاون مع تقسيم السودان يعني التهاون المباشر مع الأمن القومي المصري، وهذا ما حدث بالفعل حيث تأكد وجود مخطط لتقسيم مصر بعد أشهر قليلة من اقرار تقسيم السودان وأشهر قليلة أيضا على رحيل النظام الفاسد الذي كان يحكم مصر.
لا نريد أن نستهين أو نهون من هذه المعلومات في ظل ما تعرض له العالم العربي من مخططات تقسيم بدأت قبل ما يقرب من مائة عام وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى حيث كان العالم العربي كله تقريبا جزءا من الأمبراطورية العثمانية التي كانت آخر وعاء سياسي وحدوي يضم العالم العربي والإسلامي معا وكان آخر مظاهر الأمبراطورية الإسلامية التي امتدت ما يقرب من ثلاثة عشر قرنا، حيث بدأ تمزق العالم العربي بعد اتفاقية سايكس بيكو ثم كان التقسيم الثاني بعد الحرب العالمية الثانية وعلى يد تشرشل وزير الحرب والمستعمرات البريطاني، ثم بدأت عملية تفتيت جديدة بدأت مع احتلال صدام حسين للكويت في عام 1990 حيث وصل الأمر إلى عملية تفتيت حقيقية للعراق بعد احتلاله في عام 2003 وان كان يبدو شكله موحدا حتى الآن وقبلها بدأت عملية تفتيت الصومال بعد انتهاء نظام الحاكم العميل سياد بري، ثم عملية تقسيم السودان التي وقعت فعليا مع بداية عام 2011، ثم ظهرت خرائط عن مخططات لتقسيم مصر والسعودية وربما دول أخرى لأن عملية التفتيت هي أفضل وسيلة للرد على الثورات العربية التي بدأت الشعوب العربية من خلالها استرداد بلادها بعدما سيطرت على معظم الدول العربية خلال العقود الماضية أنظمة كانت تدين بالولاء للغرب أكثر من ولائها لشعوبها ودولها.
من هنا فإني لا أستبعد أن مخططات التقسيم وضعت الآن على الطاولة من جديد لتصبح هي الخيار الأول للولايات المتحدة والدول الغربية التي فاجأتها الثورات العربية وأسقطت الحكام الموالين لها، وذلك حتى تسقط الشعوب في هذا الفخ وتنصرف كلية عن استكمال ثوراتها، فالغرب يدرك تماما أنه لا يستطيع التعامل مع عالم عربي موحد وقوي وحكام وحكومات تستمد وجودها وشرعيتها وقوتها من شعوبها وليس من الغرب، فمصر القوية المستقلة بقرارها ومصيرها سيكون لها تأثيرها المباشر على العالم العربي كله بل ربما تغير معادلات السياسة الدولية، واذا اكتملت عناصر الثورة المصرية ومسيرتها فإن هذا يعني نهاية النفوذ الأميركي والغربي في المنطقة العربية ويعني أن حلم اسرائيل الكبير سوف ينحسر. من ثم فإن الترويج بل والسعي لتنفيذ مخطط تقسيم مصر عبر هذه الدويلات الثلاث من خلال تأجيج الخلافات الطائفية أو العرقية يمكن أن يساعد هؤلاء المخططين على تنفيذ مخططاتهم ويعني أن تغرق الثورة المصرية في أتون حرب داخلية تعصف بها وبثورتها وبآمال شعبها وآمال الشعوب العربية كلها، وما هو مخطط لمصر مخطط لغيرها.
ان الدعوات إلى تأجيل الانتخابات والتأخير في تسليم السلطة لحكومة منتخبة تستمد سلطتها وتفويضها المباشر من الشعب سوف يدخل مصر وغيرها من الدول التي تحررت من الأنظمة العميلة في أتون الخلافات والصراعات والوصايات من هذا وذاك ولن ينقذ مصر الا تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة تستمد قوتها من الشعب الذي اختارها وتصبح مع الرئيس المنتخب خادمة للشعب مسؤولة أمامه ومؤتمنة على ثورته وصناعة مستقبله حتى يتفرغ جيش مصر لحماية حدود البلاد وصيانتها من المؤامرات والمخططات أما التأخير في ذلك فإنه سيقودنا إلى أتون دوامة الخلافات التي لا نهاية لها فهل يعقل القوم ما يحاك لبلادهم أم تظل الخلافات والصراعات والوصاية من هذا وذاك قائمة حتى تتحقق هذه المخططات وينجح الأعداء في تفتيت جديد للأمة؟.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

هل مصــــر دولـــة مــــدنـيـــة أم ديـنـيـــة ؟

التالي
عمرو عز

عمرو عز ج 1 : ثورة 25 يناير ودور الإخوان والأولتراس والحركات السياسية في ميدان التحرير

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share