كواليس محاكمة الرئيس المصري المخلوع

آيتان أرسلهما الله للشعب المصري والعالم، مع عظيم آياته التى لم ولن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، الأولى كانت قبل أكثر من أربعة آلاف عام حينما أرسل موسى إلى فرعون لكنه أبى وطغى وتكبر، وقتل أبناء المصريين واستحيى نساءهم، فجعل الله نهايته عبرة لكل طاغية ونجاه ببدنه ليكون آية لمن خلفه وقد خلد قصته في القرآن الكريم ليكون عبرة لكل ظالم، وليس من عجب أن تكون سنوات حكم حسني مبارك بعد أربعة آلاف عام قريبة من حكم بعض الفراعنة فقد حكم مبارك مصر ثلاثين عاما كاملة كان يمكن أن يدخل خلالها التاريخ كبان لمصر الحديثة لكن أني لإنسان دنيء كان يمد يده للحرام منذ أول يوم أن يرتقي بأمة هي أكبر من أن ينتمي أمثاله اليها، لقد حكم مبارك مصر ويده ملوثة برشاوى صفات الطائرات التى أبرمها حينما تولى قيادة سلاح الطيران وأبرزها صفقة الميراج في السبعينيات حينما كانت مصر تبني قوتها حتى تستعيد أرضها المسلوبة من اسرائيل وحينما تولى السلطة لم يأت حوله طوال ثلاثين عاما الا بأراذل الناس واستباح كل شي ء من خيرات مصر له ولمن حوله وكأن لسان حاله يقول مثل فرعون «أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي»، لكن الله الذي يأبى الا أن يجعل للناس آية وعبرة كلما ابتعدوا عنه ليؤكد لهم أن زمام العالم لن يفلت من بين يدي الله مهما أمهل الطغاة وترك الجبارين الظالمين يفتكون بالناس، حتى جاء اليوم الذي جعل الله منه مثلا سيبقى إلى يوم القيامة أيضا لكن هذه المرة مخلدا بصوره في القفص وهو يحاكم مع أبنائه والمجرمين من رجاله، ورغم محاولة مبارك الظهور بمظهر المتماسك فقد وصف الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي في تصريحات نشرتها صحيفة الشروق في الرابع من أغسطس قائلا «بدت على مبارك حالات الضعف والأسى وخيبة الأمل والتجمد العاطفي، فوجهه يكشف عن اللامبالاة وهذا أقسى أنواع الأسى والاكتئاب الشديد».
أعرف أحد الشباب المتمردين دائما في ميدان التحرير منذ قيام الثورة يشارك في كل اعتصام وفي كل تظاهرة ولا يكاد يفارق الميدان منذ شهر يناير ومن الذين يعتقدون بأن شيئا لم يتغير في مصر، اتصل بي بعدما ظهر مبارك في القفص وقال لي «اليوم نجحت الثورة، هذا يكفي مهما كان الحكم الذي سيصدر عليه بعد ذلك، أنا لم أصدق أن أراه في القفص كنت أعتبر كل ما يحدث شيئا من التدليس علينا، سأترك الميدان وأتفرغ لبناء مستقبل مصر أنا وكل المجموعة التى معي»، ومثله كثير من الناس سمعتهم يقولون «آمنا بالله وبعدل الله» لقد وصل اليأس ببعض الناس إلى الاعتقاد بأن العدل لم يعد له مكانة في مصر، بعدما تفشى الظلم، لكن ستبقى آيات فرعون وقصته في القرآن تتلى إلى يوم الدين، وستبقى صور مبارك وأبنائه وزبانيته تتناقلها الأجيال إلى يوم الدين أيضا، وان أبلغ ما في القصتين هو أنه كيف أن كلا منهما طغي وتكبر حتى استيأس الناس، وحينما جاءت لحظة الحقيقة ظل كل منهما سادرا في غيه، مطموسا على قلبه فلم يؤمن ولم يرضخ ولم يتوقع أن نهايته ستكون نهاية كتب فصولها المنتقم الجبار خالق السماوات والأرض، غير أني أقف هنا عند موقف فاصل في كلتا القصتين هو قصة جنود فرعون، في القصة القرآنية يقول الله سبحانه «فأغرقناه وجنوده» لكن في القصة التى نعيشها الآن وجدنا أن فرعون قد زال لكن نظامه بقي كما شاهدنا كثيرا من جنوده حوله يتعاملون معه باحترام بل ربما بعضهم لايزال يؤدي التحية له، نعم لقد كان مشهد بعض قيادات الشرطة والشرطة العسكرية وقد أدى أحدهم التحية لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي مؤذيا لكل المصريين في وقت لا نعرف ماذا يفعل هؤلاء خلف الكاميرات ولا ما الذي فعلوه للمخلوع مبارك، اذا كانوا قد أدوا التحية لأحد جنوده وهو حبيب العادلي، لقد شوه هؤلاء كواليس المحاكمة حينما أدى أحدهم التحية بينما ظهر عميد في الشرطة العسكرية في حديث باسم مع العادلي وجمال وعلاء وهو يسلم عليهم بحرارة مما يضع الجيش في مأزق هو في غنى عنه، ان هذه التصرفات التى ظهرت وراء الكواليس على الكاميرات تجعلنا نتشكك بحق اذا ما كان هؤلاء يعاملون كمجرمين أو على الأقل موقوفين على ذمة جرائم من كونهم أناس لازالوا يعاملون من قبل بعض الضباط والجنود على أنهم في مناصبهم، كما يؤكد على أن ما ينقل عن تلقي هؤلاء المجرمين معاملة خاصة في سجونهم أمر ربما يكون صحيحا، لاسيما وألا أحد يشاهد ما يحدث وراء كواليس السجون.
الأمر المحزن الآخر هو المشهد الذي ظهر عليه المحامون، فمحامو المخلوع مبارك بدوا أقوياء منظمين في الوقت الذي بدا فيه محامو الضحايا هزيلين مفككين بل ان أحدهم ادعى بأن الذي في القفص ليس مبارك وقد عجبت هنا من ضعف الحق وجلد الباطل وساءلت نفسي ومازلت: أين المحامون الأقوياء بالحجة والبلاغة الذين شاركوا في الثورة وكانوا معارضين للنظام أليس هذا يومهم؟
كما أن الاتهامات التى وجهت لمبارك هي اتهامات هزيلة مقارنة بما قام به، ان هناك قضايا كثيرة لا تسقط بالتقادم وعلى رأسها قضايا القتل والتعذيب وقد شهد المصريون في عهد مبارك آلافا من قضايا القتل العمد والتعذيب وآن لنجوم المحاماة في مصر أن يفتحوا تلك الملفات لتضع محاكمة مبارك ونظامه ورجاله حدا للاستبداد والظلم والطغيان وأن يدرك كل من سيأتي لحكم مصر أنه اذا لم يؤد الأمانة فإن مصيره لن يكون أقل من مصير مبارك.
واذا كان الجميع يتطلع إلى المحاكمة ومسارها فإن على المصريين الآن أن يتفرغوا للتفكير في صناعة مستقبل بلادهم وأن يتركوا القضاء يأخذ مجراه.. فمصر بحاجة إلى سواعد أبنائها حتى تعود من جديد أيقونة الشرق ومركز حضارته.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

ميدان التحرير وفزاعة الإسلاميين

التالي

العبث بالثورة المصرية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share