صناعة الفوضى في مصر

ماحدث في اعقاب جمعة «تصحيح المسار» في مصر يوم الجمعة الماضي يؤكد ان هناك مخططا لادخال مصر في نفق من الفوضى الهدف الرئيسي منه هو تقويض الثورة ومكاسبها واختلاق حالة من عدم الاستقرار قبيل الاعلان النهائي عن موعد الانتخابات البرلمانية التي من المقرر ان تكون الخطوة الاولى في تسلم المدنيين السلطة من المجلس العسكري في مصر ، وسعيا مني لفهم المشهد استمعت على مدى عدة ساعات لكثير من الشهود الذين عايشوا تلك الاحداث وقصوا علي ما حدث امام وزارة الداخلية وامام السفارة الاسرائيلية والسفارة السعودية ومديرية امن الجيزة، وهناك شبه اجماع من كل من استمعت اليهم وهم زملاء صحفيون وأكاديميون وبعض شباب الثورة الذين عرفتهم في ميدان التحرير ان هناك ايدي خفية تعبث بمصر وامنها واستقرارها وان هذه الايدي كانت المحرك الرئيسي للاحداث، كما ان هناك تواطؤا سواء باتفاق او رضا من بعض الجهات التي لا تريد للثورة ان تنجح او للانتخابات ان تجرى، وان افرادا محدودين كانوا يحركون جموع الغاضبين سواء عند وزارة الداخلية ام عند السفارة الاسرائيلية مستغلين غضب الشعب المصري وكراهيته لاسرائيل والاجهزة الامنية لتجاوز حدود الدولة ودورها واخذ زمام الامور بايديهم تمهيدا لانفلات عام يمهد لتحقيق سيناريو الفوضى في البلاد حتى ان احد الزملاء الذين قاموا بتغطية الجمعة قال لي ان احد المسؤولين ابلغه بان الجمعة ليست هي الحدث ولكن الاحداث الحقيقية سوف تقع قرب منتصف الليل ستكون هي الحدث، مما يفسر وجود تخطيط مسبق لما حدث امام وزارة الداخلية وامام السفارة الاسرائيلية.
ان هناك شواهد عديدة تؤكد على ان مخطط ادخال مصر في نفق من الفوضى تقوم على قدم وساق، فالفوضى الامنية التي تضرب اطنابها في كل مكان وبشكل متعمد وعمليات السطو المسلح التي تتم في اماكن يفترض انها آمنة كان من آخرها السطو المسلح على الزميلة منى سلمان وزوجها امام مدينة الانتاج الاعلامي التي يفترض انها من الاماكن الاكثر امنا في مصر.
اما مشاهد ضباط الداخلية في الميادين والاماكن العامة في مصر وهم يقفون دون حراك يشاهدون الفوضى دون تدخل وكأن الامر لا يعنيهم فهو امر يحمل تساؤلات عديدة، ومشاهدة آخرين وهم يؤدون التحية للوزير السابق العادلي او علاء وجمال مبارك وهم يرسمون علامات النصر عند كل محاكمة او الرئيس المخلوع وهو يقوم بعرض ازياء يومي في ملابسه التي يفترض ان تكون بيضاء فقط حسب القانون او مسرحية السرير التي ما زال يمارسها، او التسريبات التي تتم عن المحاكمة في ان الامر في النهاية سيتم تلبيسه لوزير الداخلية حبيب العادلي على ان ينال الرئيس المخلوع وابناه البراءة او حكما مخففا لن يتجاوز ايام الحبس الاحتياطي التي قضوها، وان يتم تأجيل ذلك الى ثاني درجة اذا تم استشعار غضب شعبي من حكم اول درجة، كما ان جمع كل رموز النظام في سجن واحد هو سجن مزرعة طرة بدعوى انه اكثر السجون امانا يحمل كذلك علامات استفهام كثيرة ؟
كذلك المعلومات التي يرددها الخبراء من ان القائمين على الامر يتعمدون ان يبقى الوضع الاقتصادي مترديا رغم وجود فرص واعدة لتغييره حتى يكره الشعب الثورة ومن قاموا بها وكل ذلك استكمال لبقاء النظام السابق كما هو في السلطة بكل رجالاته واسلوب حكمه مع تاكيدات بان كل ما سوف يحدث في مصر حتى وان جرت الانتخابات لن يكون نظاما جديدا على الاطلاق وانما هو تفريغ للثورة من كل اهدافها ومضامينها واعادة انتاج النظام القديم بشكل جديد، فالنظام لم يكن حسني مبارك وبعض رموزه الذين ما زالوا يحاكمون ولم يصدر حكم ذو قيمة بحق اي منهم حتى الآن بل ان بعض المجرمين الصغار اصبحوا يحصلون على احكام براءة من حكم اول درجة وسط اشاعات لا ندري مدى دقتها عن ان النيابة تعد قضايا هزيلة لتكون المحاكمات شكلية في النهاية وتساؤلات من كثيرين هل يعقل ان النائب العام الذي عينه مبارك يمكن ان يدينه او يحاكمه او يلاحق رجاله وهو كان واحدا منهم ؟
ان النظام يعيد انتاج نفسه، وما نخشى منه ان يعود النظام بكامله بعد انتخابات لا ندري هل ستجرى في موعدها ام سيتم تأجيلها، ام يتم اعتماد طريقة نشر الفوضى الخلاقة حتى تكون سببا لإلغاء الانتخابات في النهاية .
فالمجلس العسكري الذي سبق وان قدم اكثر من اعلان دستوري واجرى استفتاء واعلن ان الانتخابات ستجرى خلال ستة اشهر وصلنا الآن الى نهاية الشهر الثامن دون ان يتم الاعلان حتى عن موعدها ، وسط تسريبات بان المجلس الاعلى يبحث عن وضع مميز داخل النظام السياسي لا يسمح برقابة او سلطة عليه من رئيس او مجلس منتخب او حكومة وذلك قبل الموافقة على اجراء الانتخابات وهذا ان صح يضع البلاد في مازق كبير، ويحولها الى دويلات ويدمر آمال هذا الشعب الذي ضحي حتى يحصل على سيادته الكاملة على ارضه ومقدراته ومصيره وقراره.
ان العبث بالثورة والعبث بمصر وشعبها في هذه المرحلة الدقيقة ودفع مصر الى حالة من الفوضى هي مؤامرة لا تقل عن مؤامرة تدمير مصر وشعبها ونهب خيراتها طوال العقود الماضية، وان هذه اللحظة التاريخية هي اخطر وأدق مرحلة تمر بها مصر بعد الثورة، وان هذا الشعب الذي ضحى حتى يحصل على سيادته واستقلال قراره لن يقف متفرجا امام تلك المؤامرات الرخيصة فمساحة الوعي تزداد والمتآمرون يتساقطون وستبقي مصر وشعبها المعطاء فوق كل المؤامرات حتى لو كان المتآمرون نفر من ابنائها المارقين يسيرون على نهج مبارك ورجاله.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

إسرائيــل بيـــن مصــــر وتـــركـيــــا

التالي

الأمن .. ثم الأمن .. ثم الأمن

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share