الأمن .. ثم الأمن .. ثم الأمن

في اليوم الاخير من شهر رمضان الماضي تناولت الافطار مع بعض الاصدقاء وكان حديثنا عن الفوضى الامنية التي ضربت أطنابها في كل أرجاء مصر لاسيما في أطراف العاصمة المصرية وما تعرضت له بعض الشخصيات العامة من عمليات سطو مسلح وسرقة سياراتها أو ترويعها علاوة على أعداد هائلة من عموم الناس ، وفوجئت أن معظم الحضور لديهم أسلحة مرخصة وتعجب معظمهم أني ليس لدي سلاح ولم أسع الى الحصول على ترخيص سلاح حتى الآن، شخصيا لم أفكر على الاطلاق في اقتناء سلاح غير أن ما يحدث يدفعني لإعادة التفكير في الامر ، لكن القضية ليست في سعي كل مواطن لكي يحصل على قطعة سلاح يحمي بها نفسه وقت الضرورة لكن القضية الاساسية هي عودة الامن و الاستقرار الى ربوع البلاد لا سيما أن هناك أكثر من ثلاثين ألف ضابط وعشرات أو مئات الآلاف من الجنود والمخبرين السريين كانوا جميعا قبل الخامس والعشرين من يناير مسخرين لخدمة النظام البائد ورجاله وعليهم الآن أن يقوموا بدورهم في خدمة الشعب والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، في ظل دراسات كثيرة تؤكد أن تفشي الفوضى الامنية هو أمر مصطنع ومتعمد من قبل بقايا النظام وأعداء الثورة حتى يتباكى الشعب على النظام البائد ورجاله.
وقد سألت كثيرا من خبراء الامن حول الحلول العملية للقضاء على ظاهرة البلطجة وتفشي الامن في مصر فأجمع من تحدثت اليهم على أن الامر بحاجة أولا الى قرار ورغبة حقيقية من المسؤولين في عودة الامن والاستقرار، ثم يتم وضع خطة وعمل اعتمادات مالية ولوجستية عاجلة واختيار عناصر نظيفة اليد والسيرة من ضباط الداخلية ورجال الامن المدربين بشكل عال المستوى وهم موجودون لإعادة الامن والاستقرار بمشاركة الشرطة العسكرية أو قوات من الجيش مع قوات الشرطة لإضفاء الهيبة والمساعدة في اقرار الامن في الاماكن التي يكثر بها قطاع الطرق والخارجون عن القانون وقد تحدثت مع أكثر من مسؤول أمني حينما زرت تونس وجدت مشكلة الثقة في رجال الامن قائمة هناك مثلما هي في مصر تماما لكن مرافقة قوات من الجيش هناك للدوريات الامنية لرجال الشرطة دون تدخل منها أعاد الهيبة الى حد ما لرجال الشرطة وساعدهم على القيام بدورهم في اعادة استتباب الامن في البلاد ، كذلك اصدار التشريعات التي تحمي رجال الشرطة وتتيح لهم مطاردة المجرمين والخارجين عن القانون لاسيما في ظل فوضى انتشار السلاح بأيدي الكثيرين.
وكنت قد التقيت مع السيد وزير الداخلية منصور العيسوي في مكتبه قبل أسبوعين بعدما اتصل بي معترضا على بعض كتاباتي التي تتناول الامن والداخلية، وذكرته بحوارات سابقة لي معه أحدها كان في مكتبه في شهر ابريل الماضي حينما قدمت له معلومات عن تجاوزات يقوم بها بعض ضباط الشرطة وتأخر عدة أشهر حتى اتخذ قرارات فيها ثم عرض عليّ الوزير أن ألتقي معه في مكتبه للحديث بشكل مطول عن مسألة الامن والانتخابات وغيرها، وبالفعل التقيت معه في حضور بعض مساعديه وعرضت له قضية التردي الامني القائم في البلاد، وأكدت للوزير ما يتردد ليس بين عموم الناس ولكن حتى بين المراقبين والسياسيين من أن هناك جهات ومسؤولين داخل الوزارة حريصون على أن يبقى الوضع على ما هو عليه في اطار تأديب الشعب الذي قام بالثورة وانتفض ضد الممارسات الخاطئة التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية عبر أجهزتها الامنية المختلفة وعلى رأسها جهاز مباحث أمن الدولة طوال العقود الماضية، وكان من الطبيعي أن ينفي الوزير بشدة هذه الاتهامات في ظل انحياز كامل له مع ضباط الشرطة في اطار ما يسميه علماء الاجتماع السياسي ثقافة الدفاع عن القبيلة ولما وجدت الوزير يدافع باستماتة عن رجال الشرطة وعن الداخلية قلت له : هل أنت مستعد للظهور أمام الناس والرد على كل التساؤلات في برنامجي التليفزيوني «بلاحدود» وأن تتحدث للناس عن الخطة الامنية القادمة وماذا ستفعل حتى تحمي العملية الانتخابية في ظل اصرارك على وضع نفس الرجال الذين شاركوا في اجراء الانتخابات الماضية التي هناك شبه اجماع على أنها كانت مزورة ليقوموا بنفس الدور الذي كانوا يقومون به من قبل ؟ قال دون تردد: نعم، لكن أحداث اقتحام السفارة وزيادة تردي الاوضاع الامنية والمظاهرات والاضرابات التي تجتاح البلاد أدت الى تأخر اجراء اللقاء.
أهمية ترسيخ واعادة استتباب الامن أصبحت هي المفتاح الرئيسي لحل كل المشكلات التي تمر بها مصر الآن، فتردي الوضع الاقتصادي سببه الاساسي هو الفوضى الامنية لأن عبارة «رأس المال جبان» خلاصتها أن رأس المال يهرب في ظل تردي الامن، وليس هناك مستثمر عاقل يمكن أن يأتي الى البلاد في ظل أنه لا يأمن على نفسه أو على مصانعه أو أمواله أو استثماراته في ظل تضخيم بعض الجرائم أو الحديث في كل مكان عن أن مصر غير آمنة، كما أن ضعف السياحة وخسارة موسمها السابق وربما موسمها القادم سببها التردي الامني وكل ما يتعلق بعودة الاستقرار ودوران عجلة الانتاج سببه التردي الامني. هناك أزمة بنزين 80 في معظم أنحاء مصر حتى في القاهرة لكننا لو تأملنا في حجم البنزين الذي يحترق في الاختناقات المرورية وفوضى الشوارع لوجدناه أضعاف ما يتم استهلاكه كذلك تكدس السيارات في الشوارع والباعة الجائلين ومحطات الميكروباص التي انتشرت في كل مكان سببها الفوضى الامنية، وأنا حتى الآن لا أعرف كيف ستجرى الانتخابات القادمة في ظل هذه الفوضى واطلاق يد البلطجية بشكل غير مسبوق أم أن المقصود أيضا هو تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى مستخدمين شماعة الفوضى الامنية، ان من بيده القرار يستطيع أن يقر الامن في البلاد اذا كانت له رغبة حقيقية، لكن ترك الفوضى الامنية بهذه الطريقة أمر يحمل علامات استفهام كثيرة ربما تجيب عنها الايام القادمة ؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

صناعة الفوضى في مصر

التالي

معركة طرابلس «1 »

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share