تركيا «2002».. مصر «2012 »

في شهر مارس من العام 2003 كنت في تركيا أقوم بتغطية الموقف التركي من أحداث الغزو الأميركي للعراق وكان حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان قد تولى مقاليد الحكم في البلاد في شهر نوفمبر من العام 2002 لكن أردوغان كان حتى ذلك الوقت ممنوعا من العمل السياسي بسبب حكم قضائي، وكان عبد الله هو رئيس الحكومة، وكنت أتردد على تركيا قبلها بسنوات طويلة وأرصد مشاهد الفساد في كافة جوانب الحياة هناك، وكانت محاولات نجم الدين أربكان أستاذ أردوغان ورئيس الوزراء السابق لم تكلل بالنجاح بسبب النفوذ الهائل للعسكر في السلطة وكذلك التحدي المباشر الذي كان أربكان يمارسه مع العسكر ووضوحه في طرح مشروعه الأسلامي الذي أعلن عنه صراحة بمشروعي «دي 8» ردا على المشروع الغربي «دي 7» أي أنه أراد تكوين مشروع الدول الثماني الاسلامية الكبرى ردا على مشروع الدول الصناعية السبع الذي تقوده الولايات المتحدة، وبدأ يتحرك في الأمر بشكل مباشر حتى يحقق مشروعه وقام بزيارات لتركيا وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وغيرها من الدول مما أثار حفيظة الغرب ووأد المشروع في مهده، لكن أردوغان على عكس أستاذه أربكان أدرك أن الطريق لإخراج تركيا من هيمنة العسكر لابد أن يكون طويل النفس ويأخذ خطوات عملية طويلة تقوم بداية على خدمة الشعب ونقله من مرحلة الفساد والاهمال الى مرحلة التفوق والابداع ثم يبدأ مرحلته الثانية بتقويض نفوذ العسكر في السلطة بعد أكثر من سبعين عاما من الهيمنة والنفوذ.
مشهد تركيا في العام 2002 أشبه ما يكون بمشهد مصر في العام 2012 لكن الفارق أن الأتراك قاموا بثورة عبر صناديق الاقتراع حينما اختاروا العدالة والتنمية ذا الميول الاسلامية، لكن المصريين قاموا بثورة في شهر يناير 2011 أزالوا فيها النظام الاستبدادي الذي جاء بانقلاب عسكري في العام 1952، ثم شاركوا في انتخابات برلمانية في نهاية العام 2011 جاءت بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للاخوان المسلمين أولا يليه حزب النور الاسلامي السلفي ثانيا، حاولت أن أتأمل المشهد بين تركيا 2002 ومصر 2012 خلال زيارتي لتركيا في الأسبوع الماضي، وسألت أحد مستشاري رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن رؤيته للوضع في مصر في ظل ما مرت به تركيا فقال «لكل بلد ظروفها في التغيير لكن الوضع في تركيا في العام 2002 حينما تولت العدالة والتنمية السلطة كان أسوأ من الوضع الحالي في مصر من كافة النواحي فالفساد كان منتشرا في كافة أركان الدولة وكان الجيش يسيطر على كل مناحي الحياة في البلاد، التعليم كان في أدنى مستوياته والأوضاع الصحية للانسان التركي كانت في القاع، وكانت ديون الدولة في ازدياد يوما بعد يوم والتضخم في أعلى مستوياته وفي كل أسبوع كان أحد البنوك يعلن عن إفلاسه بعد تهريب عشرات الملايين من الدولارات للخارج، لكن خلال تسع سنوات فقط كل شيء تغير»، وهنا سألت نائب رئيس الوزراء رئيس المجموعة الاقتصادية في الحكومة التركية على بابا جان عما قامت به الحكومة لاسيما في الجانب الاقتصادي خلال السنوات التسع الماضية فقال «منذ السنة الاولى للعدالة والتنمية في السلطة أدركنا أن التعليم هو الأساس فأصبح التعليم على رأس ميزانية الدولة، وأصبحنا ننفق الجزء الأكبر من الميزانية على التعليم لأن بناء الأنسان التركي هو الأساس، ثم أدركنا أن الصحة هي الجانب الثاني فأصبحت الصحة تحتل المرتبة الثانية في الانفاق على الميزانية أما البنبة التحتية فاحتلت المرتبة الثالثة، كان التضخم يصل الى 90 % الآن أصبح أقل من 10 % كما أصبح الدين العام يحتل النسبة العالمية من الناتج القومي بعدما كان يتجازوها، لقد قضينا الآن على الأمية وأصبح لدينا مليونان ونصف المليون طالب يتلقون مساعدات مباشرة من الحكومة حتى يواصلوا تعليمهم، أما في الجانب الصحي فإن 73 مليون تركي أي الشعب التركي كله يخضع الآن للتأمين الصحي ويعالج في مستشفيات الحكومة أو المستشفيات الخاصة وكل من دون الثامنة عشرة من حقه العلاج المجاني الكامل، والذي يعجز عن التأمين الصحي فإن الدولة تكفله، بالنسبة للتصدير بلغت صادرات تركيا في العام 2011 رقما تاريخيا حيث وصلنا الى 135 مليار دولار وصادراتنا تصل الى 190 دولة من بين 192 دولة هم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ونحن نشجع الصادارات والمصدرين الصغار نقوم بدفع قيمة أجنحتهم في المعارض الدولية، ولأن ما يقرب من 45% من صادرتنا كانت موجهة لأوروبا وأوربا تعاني من حالة ركود الآن فإننا بدأنا بالبحث عن أسواق أخرى حتى نعوض ما يمكن أن يفقد في السوق الأوروبي، إن ما وصلنا إليه الآن كان حلما قبل تسع سنوات وإن مصر تملك من الامكانات ما يجعلها تصل الى مكانة لا تقل عن تركيا ربما خلال مدة أقل فهي تقع في قلب العالم وخطوط الاتصال بين قارات العالم الرئيسية وبها من الامكانات والموارد ما يؤهلها لذلك، لكن التجربة التركية لها خصوصياتها ويجب أن يصنع المصريون تجرتبهم من خلال واقعهم أيضا» انتهى كلام بابا جان فهل يا ترى يمكن لمصر أن تحقق بعض ما حققته تركيا وأن يتراجع العسكر خطوة للوراء وأن يتركوا لمن اختارهم الشعب أن يقوموا بواجبهم وأن ينهضوا بمصر كما نهضت تركيا؟!.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

حرب إسرائيل على الدستور المصرى (2)

التالي

تعذيب المصريين فى المواصلات العامة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share