صناعة الفوضى في مصر

لم تعش مصر أي شكل من أشكال الاستقرار منذ الإعلان عن الوثيقة المشؤومة لعلي السلمي نائب رئيس الوزراء الأسبق، والتي كانت تمنح المجلس العسكري الحاكم في مصر بعض الامتيازات الخاصة التي تجعل المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة المصرية، علاوة على عدم محاسبة القائمين عليها على ما يفعلون تماما مثل رؤساء مصر المستبدين السابقين، حتى ان أحدهم وقف تحت البرلمان وقال عن الرئيس السادات «لا يسأل عما يفعل» وهذا هو سر عجز مجلس الشعب المنتخب من الشعب الآن أنه لا يستطيع استجواب المجلس العسكري أو الحكام الحقيقيين للبلاد كما لا يستطيع إقالة الحكومة أو حتى وزير وفقا للإعلان الدستوري الذي كان غطاء لسرقة الثورة من الشعب.
إن حالة الفوضى التي تعيشها مصر ضمن مسلسل من الأحداث الدامية المحزنة والمخيفة والتي تصاعدت مع أحداث البالون وماسبيرو ومجلس الشعب وشارع محمد محمود والآن شارع منصور والفلكي وحوادث قطع الطرق والهجوم المسلح على البنوك ومجزرة بورسعيد وغيرها من كافة أشكال الانفلات الأمني كلها تتابعت بعد رفض وثيقة السلمي وذهاب السلمي والحكومة التي كان فيها إلى مزبلة التاريخ، هذه الأحداث تعطي مؤشرات لا تقبل الجدل على أنها فوضى مصنوعة ولها من يقف وراءها و أن الفاعل أو الطرف الثالث الذي يدعونه يسعى منذ ذلك الوقت لحرق مصر على رؤوس أهلها بعدما أسقطوا النظام السابق ورفضوا حكم العسكر أو منحهم أية امتيازات تفوق حقوق الشعب، وما يؤكد على ذلك ان هناك تواطؤا من جهات كثيرة قائمة على السلطة في مصر وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن وزارة الداخلية لم يتم تطهيرها إلى الآن من ضباط مبارك والعادلي بل من الضباط المتورطين في قتل الثوار كلهم على رأس عملهم، كما أن كل رموز النظام السابق الذين سبق التأكيد على تورطهم في جرائم متتابعة منذ موقعة الجمل مطلقو السراح ويعيثون فسادا في كل مكان مستخدمين المال والبلطجية لجر مصر إلى هوة سحيقة، الأمر الخطير الآخر هو أن كل جرائم الانفلات سواء التي شكلت لها لجان تحقيق خاصة أو التي تتابع من قبل النائب العام لم يعلن عن نتائج أي منها مما يعني أن الفاعل لازال مجهولا أو هو نفس الفاعل الخفي الذي لم يستطع أحد التوصل إليه، فتارة هو طرف أجنبي وتارة هو طرف داخلي لكنه مجهول أو محصن أو لا يعرف أحد أين يختفي ويختبئ، الأمر الأكثر خطورة هو البلطجية الذين يستخدمون من قبل هؤلاء والذين تظهر صورهم على شاشات التلفزة وهم يحملون أدوات البلطحة التي لا يمكن أن تكون في أيدي المتظاهرين العاديين والتي قتل بها أكثر من سبعين خلال مباراة كرة القدم في بورسعيد، فهي أدوات للقتل يعرف البلطجية فقط كيف يستخدمونها ويحولونها من أدوات شجار عادية إلى أدوات قتل فاعلة، لتحصد العشرات من أبناء مصر الأبرياء، لينضموا إلى قوافل الشهداء ولتظل مصر محتقنة بالفوضى والانفلات الأمني.
الأمر الغريب للغاية هو القضايا التي حولتها النيابة العامة للمحاكم والتي تتعلق بالضباط الذي قتلوا الثوار والتي جاءت خالية من أدلة الإدانة مما جعل القضاة يحمون بالبراءة على القتلة، ولعل هذا ما جعل أحد مطالب النواب في مجلس الشعب في جلسته الأخيرة إقالة النائب العام الذي من المفترض أنه حامي الشعب وممثله ونائبه في الحصول على حقوقه.
لقد استبشر الكثيرون بانتخاب مجلس الشعب والذي أصبح السلطة الوحيدة التي اختارها الشعب منذ القيام بثورته، لكن ما قيمة المجلس إن بقيت فلول النظام السابق ووزراء النظام السابق ورجاله في كل مكان من أماكن السلطة والحكم وأعضاء المجلس يكتفون بالشجب والأدانة دون أن يكون لهم القدرة على إقالة وزير أو اسقاط حكومة ؟ إن كل هذه القوانين البالية يجب أن تسقط ويجب أن يدرك نواب الشعب في مصر أن الشعب قد وضع الأمانة في أيديهم ليس من أجل أن يقفوا خطباء ويشجبوا ويدينوا ولكن من أجل أن يتخذوا قرارات فاعلة ويصدروا تشريعات ناجزة في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد ويضربوا على يد النظام الفاسد السابق ورجاله الذين يعيثون في مصر فسادا وينشرون الفوضى والانفلات في كل مكان، إن تكرار أخطاء الماضي لم تعد مقبولة وتقصير نواب الشعب في الحصول على حقوق الشعب أو ترك صانعي الفوضى في أماكنهم هو أمر لن يقبله الشعب وإلا فالقصاص آت لا محالة «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الوزراء الفلول فى الحكومة المصرية

التالي

التحدي التاريخي أمام الإخوان المسلمين

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share