التحدي التاريخي أمام الإخوان المسلمين

في شهر مارس عام 1954 عاشت مصر أزمة تاريخية لعبت دورا فاصلا في صناعة الحياة السياسية في البلاد طوال ما يقرب من ستين عاما سميت «أزمة مارس»، وخلاصتها أنه بعدما يقرب من عامين من استيلاء العسكر على السلطة في شهر يوليو عام 1952، وقيامهم بحل الأحزاب وتعطيل الدستور وقمع الحريات ظهرت دعوات داخل الجيش وخارجه تنادي بعودة العسكر إلى الثكنات وأن يتولى المدنيون السلطة وأن يتم اعادة الحياة البرلمانية إلى البلاد حيث كانت مصر من أولى دول المنطقة التي أقامت نظاما برلمانيا في ستينيات القرن التاسع عشر، فمن داخل الجيش نادى ضباط المدفعية والمدرعات أو ماكان يعرف بسلاح الفرسان بعودة زملائهم الذين استولوا على السلطة إلى الثكنات وخرجت مسيرة جماهيرية ضخمة نظمها الإخوان المسلمون إلى ميدان عابدين تطالب بعودة العسكر إلى الثكنات وقرر القائمون على المسيرة أن يعتصموا في الميدان لحين الاستجابة لمطالبهم، حجم المسيرة والهتافات التي كانت بها علاوة على التمرد الذي كان في سلاحي المدفعية والمدرعات ورغبة كثير من الضباط الأحرار العودة للثكنات والخلاف الحاد مع محمد نجيب والإخوان المسلمين جعل عبد الناصر وزملاءه الذين استولوا على السلطة يفكرون جديا في العودة للثكنات واعادة السلطة للمدنيين، وفيم كان عبد الناصر ورفاقه يفكرون جديا في الاستجابة لمطالب الشعب وضغوط زملائهم في الجيش خرج محمد نجيب من شرفة قصر عابدين ليخاطب الجموع الهادرة التي ملأت الميدان ويطلب منهم الانصراف وأن طلبهم قيد التحقيق لكنهم رفضوا وأصروا على البقاء، غير أن الجموع التي كانت قد قررت عدم مغادرة الميدان الا بعد مغادرة العسكر للسلطة فوجئت بأحد قيادات الإخوان المسلمين وهو الشهيد عبد القادر عودة أستاذ القانون والخبير الدستوري يشير لهم بالانصراف بعدما وعد العسكر شفاهة بالاستجابة لمطالب الشعب، لم يصدق عبد الناصر ورفاقه ما حدث وأن الجماهير لم تنصرف الا بعد اشارة من أحد قيادات الإخوان لها بالانصراف، فقرروا البقاء وانتقموا من الجميع قبضوا على نجيب بعدما عزلوه وأودعوه السجن ثم الاقامة الجبرية إلى أن مات، ثم قبضوا على قيادات الإخوان وعلى رأسهم عبد القادر عودة وأعدم مع ستة آخرين وألقي الآلاف منهم في السجون، وبقي الإخوان يلاحقون حتى أفرج عنهم السادات ثم عادوا للسجون فرادى وجماعات حتى سقط مبارك، أما الضباط الذين تمردوا وطالبوا بالعودة للثكنات فقد فصلوا جميعا من الجيش والذي كان ذا حظوة منهم مثل خالد محيي الدين أرسل سفيرا أو ملحقا عسكريا، وقبض العسكر على السلطة وأقاموا نظاما استبداديا قهريا استمر حتى سقوط مبارك في الحادي عشر من أكتوبر من العام 2011، الآن وبعد ثمانية وخمسين عاما من هذا المشهد يكاد يكون المشهد في مصر مقاربا لذلك المشهد التاريخي، فالشعب أعطى ثقته للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين وحصلوا على ما يقرب من نصف مقاعد البرلمان، وأصبحوا هم الأولى بتشكيل أول حكومة للثورة التي قام بها الشعب المصري، لكن حكومة الجنزوري التي ليست سوى امتداد لنظام المخلوع مبارك بقيت تدير أمور البلاد حتى ظهر المهندس خيرت الشاطر في برنامجي التليفزيوني «بلاحدود» يوم الأربعاء الماضي وقال ان الإخوان المسلمين يرفضون بقاء حكومة الجنزوري إلى نهاية الفترة الانتقالية المقررة في نهاية يونيو القادم ويطالبون بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الأطياف السياسية الممثلة في مجلس الشعب علاوة على عناصر وطنية أخرى من خارج المجلس، وقال ان الإخوان مستعدون لتشكيل هذه الحكومة وتولي المسؤولية من الغد، وعلمت بعدها أن الإخوان أبلغوا المجلس العسكري برغبتهم التي أزعجت الجنزوري الذي قال انه لا مانع لديه من تقديم الاستقالة لكنه يريد الخروج بكرامة لاسيما أنه يمن على المصريين في كل خطاباته أنه تولى المنصب من أجلهم وهو في هذه السن وكأن مصر عقمت من الرجال، لكن المجلس العسكري أصدر بيانا يوم الجمعة 10 فبراير أعلن فيه أنه لن يسلم السلطة قبل نهاية الفترة الانتقالية المقررة في نهاية يونيو ونقل عن مصدر عسكري أن الجنزوري كذلك باق حتى نهاية هذه المدة وهو ما يعني حسب تصريحات الشاطر أن مصر ستشهد مزيدا من الانهيار الاقتصادي في ظل هذا الوضع كما أن الشاطر هدد خلال الحوار أنه اذا لم يستجب المجلس العسكري لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة فإن الإخوان مع الأحزاب الأخرى سوف يقومون بالتصعيد عبر وسائل مختلفة قد تصل لحجب الثقة عن حكومة الجنزوري في مجلس الشعب، وبين مشهد الإخوان في مارس 1954 ومشهدهم في فبراير 2012 نحن نرتقب ما سوف ينتهي عليه المشهد في ظل ما نشرته بعض وسائل الإعلام أن تصريحات الشاطر ليست سوى قنبلة دخان لاختبار المجلس العسكري، هل يتكرر سيناريو عبد القادر عودة مرة أخرى؟ ويفرض العسكر على الشعب ما يريدون؟ أم أن الإخوان سيتحملون مسؤوليتهم التاريخية والشرعية التي منحها لهم الشعب ويقيلون حكومة الجنزوري وينحازون لخيار الشعب؟ انا لمنتظرون؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

صناعة الفوضى في مصر

التالي

احتفالات الليبيين بسقوط نظام القذافي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share