رئيس الجمهورية : أهــــم وظيفــــة فـــي مصــــر

بعد إسقاط مبارك وتلاوة عمر سليمان لبيان التنحي في الحادي عشر من فبراير من العام 2011، كنت في ميدان التحرير وسط ملايين المصريين الذين كانوا يحتفلون بهذه اللحظة التاريخية، وبينما كنت على المنصة الرئيسية في الميدان إلى جوار كثيرين ممن يهتفون ويكبرون ويهللون ويطلقون هتافات النصر حيث كنا نرتب لقراءة بيان الثورة الأول، وإذا برجل مصري بسيط بدا أنه من أهل الصعيد يرتدي «جلابية وشال» على رأسه كان بين الجموع في الميدان أسفل المنصة انتهز لحظة هدوء ونادى بأعلى صوته وهو يشير لي «يا أحمد.. أنا شريك في الثورة مثلكم ومن حقي أن أصعد على المنصة وأن أتحدث إلى الناس، المنصة ليست حكرا عليكم أنتم» لم أعرف بداية بم أجيبه فلست أنا الذي يدير المنصة علاوة على أن الزحام كان شديدا للغاية، والناس ملتصقة ببعضها وكان مسؤولو الأمن على المنصة يصرخون في المتزاحمين بأن ينزلوا لأنها يمكن أن تسقط بسبب كثرة الوقوف عليها، لكن لم يكن أحد يسمع لأحد.
كرر الرجل نداءه وأشعرني أن به شيئا داخليا يختلف به عن الآخرين فكل من على الأرض يتمنى أن يكون على المنصة لكني شعرت أنه ببساطته ليس رجلا عاديا، فقلت له: اذهب إلى خلف المنصة وسوف أساعدك في الصعود، قال وقد اقترب وأصبح أسفل المنصة من جهة الميدان لا سأصعد من هنا من الأمام، قلت له: كيف والارتفاع قريب من ثلاثة أمتار، لم ينتظر الرجل مزيدا من النقاش فقلت لمن حوله دون أن آخذ إذنا من أحد، ارفعوه فتعاون من حوله ورفعوه وفجأة وجدته إلى جواري ثم قال لي وهو ينهج من الجهد الذي بذله في الصعود: أريد الميكروفون لأتحدث إلى الناس مثلكم؟ قلت له: مااسمك؟ قال: اسمي محمدين وأنا من سوهاج وبشتغل عامل يومية؟ يعني مواطن بسيط جدا يخرج كل يوم «على باب الله» كما يقول المصريون، إما أن يصادف عملا فيأخذ عليه أجره وإن لم يصادف عاد أدراجه دون شيء، استأذنت مسؤول الإذاعة أن يعطي الميكريفون لمحمدين حتى يخاطب الناس في الميدان رفض في البداية ثم أقنعته أن هذا على مسؤوليتي وأنا لا أعرف ماذا سيقول الرجل، أخذ محمدين الميكروفون ثم صاح في الحشود الهائلة في ميدان التحرير قائلا «اسمعوني يا جماعة.. اسمعوني… اليوم تحررت مصر… واصبح المصريون أحرارا… ومن هنا أعلن لكم.. أنا إنسان بسيط غلبان… عندي خمسة أولاد أعيش معهم في غرفة واحدة… اليوم أصبح من حقي أن أرشح نفسي رئيسا للجمهورية… اليوم أصبح حقي مثل حق أي مصري… مفيش حد أحسن من حد… أنا من حقي أن أرشح نفسي رئيس جمهورية وسوف أرشح نفسي رئيس جمهورية..» ثم أطلق الرجل بعض الهتافات وترك الميكروفون وكما صعد نزل واختفى بين الحشود.
لم ولن أنساه وأتمنى أن كل من كان في الميدان عند المنصة الرئيسية في هذه اللحظة التاريخية أن يتذكره، هذا الإنسان هو المواطن المصري الأصيل الذي كان مهمشا ومهضوم الحق ولا يلتفت إليه أحد، شعر في هذه الحظة التاريخية أنه استرد مواطنته وأرضه وبلده وكان أول مصري يعلن بعد سقوط مبارك ترشحه لرئاسة الجمهورية من على المنصة الرئيسية في ميدان التحرير، ظهر الرجل واختفى ليرسل رسالة باسم كل المصريين تقول: إن الإنسان المصري البسيط أصبح أهم ركن في هذا الوطن، الإنسان البسيط هو الذي يركض خلفه مرشحو الرئاسة الآن ليقولوا له أعطنا صوتك، وهم يعرفون أن هذا الإنسان سوف يحاسبهم إن أخفقوا في الانتخابات القادمة. إن أهم وظيفة في مصر الآن هو أن تكون مواطنا لا أن تكون رئيس جمهورية لسبب بسيط هو أنك أنت الذي تستطيع أن تصنع رئيس الجمهورية وأن تعزله وفي النهاية أنت تنتخب من يكون خادما لك وللشعب .. فهل يعي المصريون هذه اللحظة التاريخية ويمارسون حق المواطنة والقيام بأهم وظيفة في مصر وهو أن تكون مواطنا صالحا تصنع الرؤساء والمحافظين وأعضاء البرلمان والمحليات ثم تحاسبهم إذا أخفقوا وتشكرهم إذا أدوا الأمانة فهل يعي المصريون وظيفتهم ويختارون من هو أولى بخدمتهم كرئيس لمصر للسنوات المقبلة؟.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

حيرة المصريين وقلقهم

التالي

أهم وظيفة فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share