حيرة المصريين وقلقهم

استوقفنى أحد المصريين يوم الإثنين الماضى 4 يونيو 2012 فى جادة «دى إينا» التى تقع بها السفارة المصرية فى العاصمة الفرنسية باريس، وسلم علىَّ ثم سألنى السؤال الذى يسأله كل مصرى للآخر منذ انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، وهو: من ننتخب؟ من نختار لرئاسة مصر؟ مرسى أم شفيق؟ قلت له: إلى أين تذهب الآن؟ قال أنا فى طريقى للسفارة حتى أمارس حقى فى الانتخاب، فقد فتح باب الانتخاب للمصريين فى الخارج اليوم، وقررت أن أشارك من اللحظة الأولى؟ قلت له وحتى هذه اللحظة وأنت فى طريقك إلى صندوق الاقتراع لم تقرر من الذى سوف تختاره؟! قال: حتى هذه اللحظة أنا فى حيرة من أمرى رغم أنى فى داخلى قررت اختيار أحد المرشحين بعد مهزلة الأحكام الأخيرة التى صدرت بحق مبارك ورجاله، لكنى مع ذلك لا أزال أشعر بالحيرة التى تدفعنى إلى سؤال كل من ألقاه حتى أشعر بشىء من الاطمئنان فى اختيارى، ولما لقيتك فى الطريق قلت لعل هذا يكون السؤال الأخير قبل أن أدخل إلى السفارة وأدلى بصوتى وأنا مطمئن؟ هذه الحيرة لهذا المواطن المصرى فى فرنسا هى نفسها التى وجدتها تملأ نفوس كثير من المصريين خارج مصر وداخلها وهم يمارسون حقهم للمرة الأولى فى اختيار من يحكمهم، بل إنى ذهلت حينما عرفت أن نسبة لا بأس بها من الناخبين فى الجولة الأولى من الانتخابات كانوا يقفون فى طابور الانتخاب وهم حيارى لم يقرروا من ينتخبون، وكثير منهم اتخذ القرار وهو فى الطابور، أوحتى بعد تسلمهم ورقة المرشحين، لكن بعد ظهور نتائج الجولة الأولى زاد حجم هذه الفئة إلى حد كبير، وأصبحت هى الفئة التى سوف تحسم النتيجة النهائية لصالح أحد المرشحين، وهى الفئة التى سوف تحدد مصير مصر ومستقبلها، فلم يكن هذا المواطن المصرى الذى لقينى فى باريس وحده هو الحائر، بل إنى وجدت على امتداد الأيام الماضية -فى مصر وفى المطار أثناء المغادرة، وعلى الطائرة، وحينما كنت أترقب وصول حقائبى فى مطار «شارل ديجول»، وفى أماكن أخرى كثيرة -حائرين كثيرين مثله، ولا أستطيع أن أقول إنهم من بسطاء الناس بل كثير منهم أو معظمهم من المتعلمين، والكل يسأل نفس السؤال الملىء بالحيرة والقلق: من نختار؟ لا أريد أ ن أحمل فصيلا أو جماعة أو حزبا سياسيا -كما يفعل البعض- مسئولية هذه الحيرة التى وصل إليها المصريون فى هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، ولكنى حينما جلست قليلا لأبحث فى أسباب الحيرة التى تصيب الإنسان فى لحظة ما أمام اختيار ما لأى شىء فى الحياة، وجدتها توجد حينما يلتبس الأمر على الإنسان أو يشعر بالمستقبل المجهول لاختياره، أو يتساوى عنده الأبيض والأسود، والليل والنهار، والظل والحرور، فيشعر برمادية الأشياء، وقلت فى نفسى.. يا إلهى.. هل إلى هذا الحد أصبح الخيار بين المرشحين للرئاسة؟ رغم أن أحدهما ينتمى إلى النظام الذى قام الشعب لإزالته؟ والآخر إلى الجماعة التى ظل هذا النظام يضطهدها ستين عاما؟ وهنا تذكرت بيت الشعر الرائع للمتنبى الذى يقول فيه: ولم أر فى عيوب الناس شيئا … كعجز القادرين على التمام وفى النهاية وجدتنى لا أستطيع أن ألوم الحائرين والمشوشين من عموم المصريين الطيبين على ما هم فيه من حيرة وتشوش، ولكنى ألوم هؤلاء الذين وضعوا القطاع الكبير من المصريين فى هذه الحيرة ثم وقفوا عاجزين عن الوصول إلى الناس وإقناعهم بالخروج من حيرتهم، لا سيما أن القطاع العريض من هؤلاء المشوشين هم القطاع الطيب من هذا الشعب الذى يلهث وراء لقمة العيش والحياة الحرة الكريمة التى حرم منها طوال العقود الماضية، وأصبح لا يعرف من الذى يمكن أن يأتى إليه بها. لا يزال بيننا وبين موعد الجولة الثانية من التصويت عشرة أيام، وهى كفيلة بإخراج القطاع الأكبر من المصريين من حيرتهم إذا انقشع عنهم الضباب، وأن يخرج كل منهم من بيته يوم التصويت وهو يعرف إلى من يجب أن يؤدى أمانة صوته.

Total
0
Shares
السابق

خطة عاجلة لإنقاذ مصر

التالي

رئيس الجمهورية : أهــــم وظيفــــة فـــي مصــــر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share