ترسيخ الاستبداد فى مصر

بعد قرار المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس العسكرى، يوم السبت الماضى، 16 يونيو 2012 بحل مجلس الشعب، يكون الفضاء الدستورى والتشريعى خالياً تماماً أمام المجلس العسكرى ليفعل ما يشاء بمصر وشعبها من إصدار تشريعات وتعديلات دستورية مكملة أو حتى كاملة وأن يضيف لسلطاته ما يشاء ويلغى من سلطات الآخرين ما يشاء، حتى يفرغ كل سلطة قادمة يمكن للشعب أن ينتخبها من سلطاتها ومسئولياتها ويصبح وصياً على عرش مصر الذى سيطر عليه العسكر بعدما أزاحوا آخر ملوك مصر عن عرشه فى يوليو عام 1952. إن مجلس الشعب مع كل أخطائه وأخطاء أعضائه التى كانت تكال له بالليل والنهار إلا أن حجم التشريعات التى أصدرها لصالح هذا الشعب كان هائلاً، ومن أبرزها ما عايشناه فى انتخابات الرئاسة من إجبار القضاة على الفرز فى اللجان الفرعية وإعلان النتائج فى حضور المندوبين فى كل لجنة فرعية وعامة، كما كان مجلس الشعب هو الحائل الرئيسى بين المجلس العسكرى وقيامه بأى تلاعب أو إصدار تشريعى بعدما أصبح التشريع من مسئولية مجلس الشعب وحده، وحينما همَّ المجلس العسكرى بإصدار ما أطلق عليه إعلاناً دستورياً مكملاً وتم تسريب ذلك لوسائل الإعلام، قامت الدنيا ولم تقعد فى مواجهته. وقال الخبراء الدستوريون: إنه ليس من حق المجلس العسكرى إصدار أى تشريعات أو إعلانات دستورية فى ظل مجلس الشعب، كما أنه ليس من حق المجلس العسكرى حل مجلس الشعب، لكن رئيس المجلس استند للحكم القضائى، وقام بحل المجلس الذى كان يشكل العقبة الكأداء أمام تسلط العسكر وتفردهم فى إصدار التشريعات التى تحمى مصالح المؤسسة العسكرية وتجعلها دولة داخل الدولة بكل امتيازاتها وميزانياتها الخاصة، وشركاتها التى يدعى كثيرون أنها تدير ما يقرب من نصف الاقتصاد المصرى. لا أذيع سراً إذا ذكرت أن المجلس العسكرى عرض على الإخوان المسلمين بعد تشكيل البرلمان وحينما سعوا لحل حكومة الجنزورى أن يقوموا بتشكيل الحكومة، لكنه اشترط عليهم أن أحد عشر وزيراً ووزارة ستكون من نصيب المجلس العسكرى يختار الوزراء ويدير الوزارات، منها: الداخلية والخارجية والدفاع والإعلام والتموين والإسكان والبترول والمالية والعدل والاقتصاد، ولما سأل الإخوان عن علاقة رئيس الحكومة بهؤلاء الوزراء قيل لهم بالنص: علاقة هؤلاء كاملة ستكون بالمجلس العسكرى، ولا علاقة لرئيس الحكومة بهم، أى: ستكون هناك حكومتان: حكومة يديرها المجلس العسكرى بها الوزارات السيادية والأقتصادية، اكتشف الإخوان وقتها أنهم سيكونون مثل «خيال المآتة»، وأنهم سوف يتولون الوزارات الخدمية التى تجعلهم يصطدمون بالشعب طوال الوقت، بينما المجلس العسكرى يدير الحكومة الحقيقية، فرفضوا العرض ولم يعلنوا عنه -على حد علمى- ولعل هذا كان من دوافع إصرارهم على الترشح للرئاسة رغم الانتقادات التى وجهناها لهم جميعاً؛ حيث ظهروا بمظهر الذى يريد أن يسيطر على جميع مقاليد الدولة فخسروا تعاطف الناس والقوى الوطنية ومعظم مواقعهم، وعجزوا عن أن يقدموا أنفسهم بشكل مقنع للناس، مُصرين على أن فرصتهم بالفوز بالرئاسة لا جدال فيها، ومع وجود مجلس الشعب فى أيديهم فإن من حق الرئيس أن يرشح من يشاء للحكومة، لكن كل قواعد اللعبة تغيرت الآن. المجلس العسكرى يدير معركته مع الشعب المصرى، ليس منذ قيام الثورة فى الخامس والعشرين من يناير أو يوم تنحى مبارك فى الحادى عشر من فبراير 2011، وإنما يديرها العسكر مع الشعب منذ ستين عاماً، وحينما أقول العسكر هنا لا أقصد جيش مصر العظيم على الإطلاق، وإنما السلطة المستبدة التى لم ينجُ فصيل من الشعب المصرى من أذاها طوال الستين عاماً الماضية، وحينما قام الشعب بثورته فى الخامس والعشرين من يناير التف عليها العسكر واكتسبوا شرعيتها وأصبحوا، بتصويت الشعب على الإعلان الدستورى، هم رعاة الثورة وأصحابها، أما الشعب ومجلسه الذى اختاره اختياراً حراً لأول مرة منذ ستة عقود فقد أصبح غير دستورى بحكم قضائى، واسترد العسكر السلطة من جديد ليمارسوا الاستبداد ويحولوا رئيس مصر المنتخب أيا من كان، شفيق أو مرسى، إلى «خيال مآتة» يأتمر بأوامرهم وينفذ أهدافهم، أما مجلس الشعب القادم فإن القوى الوطنية الممزقة كفيلة ببيان الشكل الذى يمكن أن يكون عليه، لا سيما أن الفلول قد أطلوا بقوة من جديد ولن يكون من المستغرب أن يستردوا مقاعدهم فى ظل التمزق السياسى للقوى الوطنية، وكما قال حسين الشافعى، نائب رئيس الجمهورية المصرى الراحل فى نهاية شهادته معى على ثورة يوليو فى برنامجى التليفزيونى «شاهد على العصر»: «كل ثورة وأنتم طيبون».

Total
0
Shares
السابق

ما بعد الانتخابات الرئاسية

التالي

الانقلاب الدستورى المكمل

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share